كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
وكأنّ كل القوى السياسية متواطئة في ما بينها على “تنييم” الملف الحكومي إلى أجل غير محدد. على خلاف كل المرات السابقة، لا يبدي أي طرف حماسة أو رغبة في تحريك المياه الراكدة. مضى أكثر من أسبوع على تقديم مصطفى أديب كتاب اعتذاره وقبوله من جانب الرئاسة الأولى… ولا من يتحرك.
حتى الآن، لا يبدي رئيس الجمهورية ميشال عون أي استعداد لتحديد موعد للاستشارات النيابية. ولا حتى الثنائي الشيعي يبدو مستعجلاً لتكرار تجربة تسمية رئيس للحكومة من دون اتفاق مسبق، يطال بالحدّ الأدنى العناوين العريضة. في المقابل، ينأى الفريق الخصم بنفسه عن خطوط المواجهة، وتحديداً الرباعي السني الذي لم يبادر إلى الدفع باتجاه زرك الرئاسة الاولى في زاوية مطالبتها في تحديد موعد في القريب العاجل. الكل في حالة انتظار. انتظار ماذا؟ لا جواب واضح.
وحده رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي يحاول اختراق الجمود الحاصل لتقديم أوراق ترشيحه، ولو أنّ عقبات كثيرة قد تحول دون عودته إلى السراي، أهمها الاعتراضات التي يسجلها الثنائي الشيعي على سلوكه، وعدم رغبة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في تقديم الرئاسة الثالثة على طبق أزمته المستعصية مع المملكة السعودية. ومع ذلك، يقول المطلعون على موقفه إنّه متمسك برفضه ادراج اسمه على لائحة الترشيحات.
لكن الأهم، هو الاعلان عن الاتفاق – الاطار لترسيم الحدود البحرية واستكمال ترسيم الحدود البرية، والذي استجدّ على المشهد الداخلي، على أهمية ارتباطاته الإقليمية، وما يمكن له أن يجلب من متغيرات في الموقف الأميركي، بعدما أثبت توقيت الاعلان عن الاتفاق أنّ الإدارة الأميركية قررت الدخول بقوة على خطّ الملف اللبناني، ما يؤكد أن الادارة الفرنسية لم تتمكن من الحصول على تفويض في ادارتها الملف اللبناني. وجلّ ما حصل منذ الرابع من آب، والزيارة المفاجئة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لم تتجاوز حدوده، التنسيق في الخطوط العريضة مع واشنطن.
في موازاة الصمت على الساحة اللبنانية، ثمة سكون لا يقلّ أهمية على الضفة الفرنسية. يوم الأحد الماضي كال الرئيس الفرنسي الاتهامات والانتقادات للطبقة السياسية اللبنانية، من دون التخلي عن مبادرته التي ضربت عرض الحائط. الأكيد أنّ الادارة الفرنسية أصيبت بالاحباط، لا بل تعرضت لصفعة مؤلمة نتيجة فشل مسعاها. ويقول المطلعون على موقف باريس، إنّ المسؤولين الفرنسيين يدركون أنّ الانخراط الأميركي في الأزمة اللبنانية، له تأثيره على مسار المبادرة التي طويت صفحة مرحلتها الأولى، وبات البحث جارياً عن مقومات المرحلة الثانية.
ورغم ذلك، يشير هؤلاء إلى أنّ ماكرون لن يستسلم بسهولة، اذ لبلاده مصالح حيوية في لبنان تبدأ بالمرفأ ولا تنتهي بالتنقيب عن الغاز الذي سيتأثر حكماً بتطورات ترسيم الحدود. ولكن حتى الآن، يطفئ الفرنسيون محركاتهم. مهلة الستة أسابيع التي حددها ماكرون، تترك لخلية الأزمة الوقت الكافي للتدخل. ولكن، كل المؤشرات تشي بأنّ باريس لن تكرر تجربة المرحلة الأولى، ولن يحمل ماكرون هاتفه للاتصال بالمعنيين لتذليل العقبات. لا بل أكثر من ذلك، لا يبدي المسؤولون الفرنسيون أي رغبة في الغرق من جديد في الوحول اللبنانية. وضعوا الطابة في ملعب اللبنانيين الذين عليهم أن يبادروا إلى التحرك وتأليف حكومة وفق المواصفات التي أتت عليها المبادرة الفرنسية، بعد تنقيحها حين انتقلت إلى أرض الواقع. وهذا ما يفترض أن يتجلى في مواصفات المرحلة الثانية.
ولهذا لا يزال توقيت عودة الاتصالات العابرة للمتوسط، غير محدد، بانتظار أن يبادر اللبنانيون إلى القيام بخطوات جدية تظهر نيّتهم في التأليف. وقد يكون دخول موسكو على الخط، ولو أن ما يتسرب من أجوائهم لا يوحي بأنهم يحملون مبادرة محددة.