هل هي عملية إنهاكٍ لتهيئةِ الأرضيةِ لـ«إنهاءِ» توازنات «جمهورية الطائف»، أو مسارُ «إلهاءٍ» مُبَرْمَج وفق مقتضيات المواجهة الكبرى بين إيران والولايات المتحدة ومواقيت جولاتها الحاسمة بعدما باتت بيروت ساحة تأثُّر وتأثير فيها؟ سؤالان يوصلان إلى خاتمةٍ واحدة قوامها أن آخِر النفق المُرْعِب الذي حُشر فيه لبنان مفتوح على وجْه آخَر لـ«بلاد الأرز» في السياسة والمال والاقتصاد لم يَعُد ممكناً الإفلات منه، ولن يكون إلا تتويجاً لمنْحى متدحْرِج من الإطباق على الواقع الداخلي وتطويعه لأهداف تتّصل بالصراع في المنطقة.
وهذه الخلاصة باتت حاضرةً في خلفية المشهد اللبناني الذي تتصدّره سياسياً أزمة تشكيل الحكومة الجديدة التي تتقاطع مع الانهيار المالي – الاقتصادي الذي تتسارع وتيرته على وقع عدٍّ تنازُلي مكتوم لبدءِ وقف دعْم السلع الاستراتيجية، ومع جائحة «كورونا» التي دخلت البلاد في ذروة موجتها العاتية مع إصاباتٍ (صارت تتجاوز 1300 يومياً وبنسبة 120 على كل 100 الف) صار معها النموذج الإيطالي على الأبواب في ظلّ مقدّمات مأسوية لمرضى يواجهون خطر الموت في المنازل لعدم توافر أسرّة لهم يحتاج تأمينُها لإدخال المستشفيات الخاصة (لم تدفع الدولة مستحقاتها منذ أعوام وتبلغ نحو الفي مليار ليرة) في استراتيجية المواجهة.
ورغم أن محاولاتِ «القبض» على «كورونا» ووقْف اجتياحه المتوحّش الذي يكاد أن «يُرْكِع» القطاع الصحي طغتْ أمس على المسرح الداخلي وسط معاندةٍ محلية برزت في بلدات عدّة «تمرّدت» جزئياً أو كلياً على قرار عزْلها (شمل 111 بلدة) الذي جاء كـ«بَدَل عن ضائع» اسمه عدم القدرة على اعتماد خيار الإقفال التام للبلاد في ظلّ الفاجعة الاقتصادية، فإنّ الشقَّ السياسي من «الأزمة الأخطبوطية» التي تُلْقي بثقلها على لبنان لم يَغِبْ عن الكواليس التي يسودها اعتقادٌ يترسّخ أكثر فأكثر بأن تأليف الحكومة الجديدة، سواء عبر ممرّ المبادرة الفرنسية التي تحتاج إلى «تدليك» اقليمي – دولي أو من خلال مساراتٍ خارجيةٍ أخرى، صار محكوماً بأفق الصراع المحتدم في المنطقة خصوصاً على خط واشنطن – طهران والذي ينتظر انتهاء السباق إلى البيت الأبيض لتَلَمُّس جولاته اللاحقة.
ولم يكن عابراً في رأي أوساط مطلعة، أن «الغيبوبة» اللبنانية الكاملة بإزاء المأزق الحكومي، باتت تترافق مع «تَحَسُّسٍ» تَصاعُدي بإزاء أيّ إشارةٍ أو تطوّرٍ ذات بُعد ما فوق محلي صارتْ تعطى له تفسيراتٌ تعكس اقتناعاً داخلياً بأن لا إمكانية للإفراج عن الحكومة التي يريدها الخارج بـ«بروفايل» يُلاقي مسار «قصّ أجنحة» حزب الله، إلا على متن تفاهمات اقليمية – دولية بما تنطوي عليه من مقايضات.
وفي هذا الإطار جاء التلقُّف «المضخّم» لزيارةٍ جرى الكشْف أن المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم سيقوم بها لواشنطن في 14 من أكتوبر الجاري على أن يلتقي بمسؤولين أميركيين كبار بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو.
وإذ جرى البناءُ سريعاً في بيروت على هذه الزيارة من زاوية سياسية رَبَطها البعض بـ«الخط البارد» الذي فتحه الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري – «حزب الله» مع الولايات المتحدة عبر مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل التي ستنطلق في 14 الجاري بوساطة أميركية ورعاية أممية، كانت تقارير توحي بأن محطة إبراهيم، الذي غالباً ما اضطلع بأدوار بوصْفه موفداً رئاسياً (للرئيس ميشال عون) تتصل بالمواطنيْن الأميركييْن المخطوفيْن في سورية أوستن تايس ومجد كمالماز، مشيرة إلى أن الدعوة لإبراهيم وُجهت من روبرت أوبراين المبعوث الرئاسي السابق لشؤون الرهائن ومستشار الأمن القومي، الذي سيكرِّم المسؤول الأمني اللبناني.
على أن التحرّي عن الزيارة المُفْتَرَضة لإبراهيم أفضى إلى أن ما أشيع عنها غير دقيق في التوقيت كما المضمون وأن لا طابع سياسياً لها، وأن اوبراين وجّه دعوة بالفعل لتكريم المدير العام للأمن العام لشكره على أدوار اضطلع بها على صعيد تحرير أسرى، وسط معلومات لـ«الراي» عن أن موعد الزيارة لم يُحسم وأنه سبق أن حُددت لها مواعيد في السابق ولكن تطورات في لبنان فرضت إرجاءها وتالياً لا صحة لما يُثار حولها من عناوين سياسية.
وفي موازاة ذلك، ساد الترقب لما إذا كانت جولتا المحادثات الرئاسية بين عون وبري (ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب) في الطريق إلى الكويت ذهاباً ثم إياباً، أفضتْ إلى بداية توافقاتٍ ولو على طرف خيْطٍ لإطلاق المسار الدستوري لتشكيل الحكومة، وسط أسئلة حول إذا كانت القاعدة التي حدّدتْها مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون ما زالت صالحةً أم أن «نعْيها» الضمني من الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي رسم إطاراً سياسياً واضحاً للحكومة العتيدة، جعلها أسيرة لعبة انتظارٍ لما بعد الانتخابات الأميركية.