كتب حبيب معلوف في “الاخبار”:
«هرّب» وزير البيئة دميانوس قطار افتتاح «موسم» الصيد البري لهذا العام في اجتماع غير مكتمل النصاب للمجلس الأعلى للصيد البري. القرار اتُّخذ سراً، وكعادة وزراء البيئة المتعاقبين، خضع قطّار لمصالح الصيادين وتجار أسلحة الصيد وذخائرها.
رغم كل مآسي البلد وكوارثه، خصوصاً البيئية، لم ينس وزير البيئة دميانوس قطّار فتح موسم الصيد البري، سرّاً، وكأنه «تهريبة»، أو ربما «صفقة» مع ممثلي الصيادين وتجار أسلحة الصيد وذخيرتها!
القرار بفتح موسم الصيد، بين ١٥ أيلول الجاري و١٥ شباط المقبل، اتُّخذ في آب الماضي، في جلسة غير مكتملة النصاب للمجلس الأعلى للصيد البري. والمشكلة، بالطبع، ليست في نصاب هذا المجلس، بل في طبيعة اسمه ومهامّه وكيفية تشكّله، إذ لا يمكن تخيّل أن «التحكم» بحياة الطيور يحتاج إلى هذا الحشد من ممثلي مؤسسات ووزارات (العدل، الزراعة، البيئة، الداخلية، الدفاع ، المالية) وممثل عن كلّ من المجلس الوطني للبحوث العلمية وجمعية المجلس الوطني للصيد البري ونقابة تجار أسلحة الصيد وذخائرها والاتحاد اللبناني للرماية والصيد والجمعيات البيئية، إضافة إلى اختصاصيّ بيئيّ في علم الطيور والثدييات! كل هذا الحشد من الوزارات والتجار والهواة يتجمّع من أجل تشريع هواية، هي بمثابة تدريب على ممارسة العنف والقتل في حق أضعف المخلوقات!
لا يمكن تصوّر أن وزير البيئة المتردد والمقلّ في الكلام وفي اتخاذ القرارات (لكي لا يقع في الخطأ) قد فكّر بكل ذلك حين قرّر فتح موسم الصيد مجدّداً. وليس معلوماً إذا ما كان قد شعر بالخجل حتى أبقى الموضوع سرياً، من دون الإعلان عنه في مؤتمر أو بيان صحافي أو على صفحة وزارة البيئة. ولكن ما النفع من هذه الأخلاقيات الباهتة إذا كان القرار بالسماح بالقتل والإعدام قد اتُّخذ؟
الأمر المؤكد أن الوزير لم يدرس هذا الملف، ولم يطّلع على الآراء العلمية المخالفة لرأي التجار ومن يمثّلونهم في الوزارة. وربما قيل له إن عليه تنفيذ القانون رقم ٥٨٠ والمراسيم التنظيمية التي سرّع إنجازها وزير البيئة السابق طارق الخطيب لتكون أول «إنجازات العهد». وهو لو اطّلع على هذه الآراء، لكان أدرك أنه كان عليه تعليق تطبيق المراسيم التنظيمية وعدم فتح الموسم مجدّداً لحين إنجاز اقتراح تعديل القانون الذي أُقر عام ٢٠٠٤ تحت ضغوط تجار أسلحة الصيد وذخائرها وشركات التأمين وأصحاب نوادي الصيد والصيادين في عهد وزير البيئة الصياد فارس بويز. هذا القانون الذي لم يُصغ بخلفية بيئية، ولا اعتمد على منظومة أفكار بيئية مع مفاهيمها التي تضمن الحفاظ على التنوّع البيولوجي، ولا اعتمد على الأسباب البيئية الموجبة بشكل عام. ولو فعل لكان غيّر في المفاهيم والمَهمات و«نزل» بمقام «المجلس الأعلى» لإدخاله إلى الحياة البرية من أجل حمايتها، ولأدخل وزارة التربية (بدل الدفاع) إلى المجلس لتعديل البرامج التربوية، بما يحقّق أهداف الحماية واحترام التنوع البيئي والاجتماعي وإشراك الطلاب في مراقبة حياة الطيور ورواية قصصها وتعلّم حمايتها بدل التفكير في قتلها.
كان على الوزير الاستماع إلى وجهات نظر أخرى تدعو إلى دراسة تطور حياة الطيور المقيمة والمهاجرة وتقييم أوضاعها وأَعدادها وطرق عيشها ووضعية موائلها وما يهدّدها… وبناءً على هذه الدراسات يبحث مع متخصّصين، غير أصحاب المصلحة من تجار وجمعيات أو خبراء «على القطعة»، في كيفية مقاربة هذا الملف وإذا ما كان عليه اتخاذ القرار بفتح «الموسم» أم لا (أي تعديل للقانون يجب ألا يستخدم كلمة «موسم» التي تُستخدم في الحياة الزراعية وليس البرية). علماً أن قانون الصيد البري نُقل بعد عام ٢٠٠٤ من عهدة وزارة الزراعة إلى البيئة كونها المؤتمنة على الحياة البرية، ولأن الطيور كائنات ليس للإنسان أي فضل بوجودها مثل المواسم الزراعية، وبالتالي لا يحق لأحد أن يفتح «موسم» صيدها أو قتلها.
الأهمّ من ذلك كله: كيف يمكن التفكير بالصيد في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية والبيئية التي نعيشها؟ ربما لا يعلم وزير البيئة أن كثيرين ممن عادوا إلى الزراعة في ظل الأزمة هذا العام، صُدموا بحجم الأمراض التي باتت تضرب الزراعة وبالكلفة العالية لاستخدام المُبيدات الزراعية. وقد لا يعرف كثيرون، وبينهم أعضاء «المجلس الأعلى»، أن الطيور تأكل أكثر من وزنها من الحشرات والديدان والآفات الزراعية، موفّرة بذلك على صغار المزارعين الكثير من المبيدات.