انزلق لبنان إلى الجحيم الاقتصادي والاجتماعي مع توجه المصرف المركزي لرفع الدعم عن السلع الأساسية، وسط تفاقم الموجة الثانية من وباء كورونا الذي يهدد القطاع الصحي المهدد أساساً بعدم قدرته على استيعاب مرضى جدد وتأمين الأدوية لهم. احتياطي المصرف المركزي كان نحو 20 مليار دولار، منها 3 مليارات قابلة للاستخدام قبل الوصول إلى الاحتياطي الإلزامي للمصارف الممنوع التصرُّف به والبالغ 17.5 مليار دولار، ووفق وزير الاقتصاد راوول نعمة تحتاج عملية الدعم شهرياً إلى 700 مليون دولار، ما يعني أن وقف الدعم سينطلق أواخر شهر أكتوبر الحالي، على أن يبدأ تدريجياً بالمحروقات ثم بالدواء في المرحلة الأخيرة.
ويقدر الخبراء ارتفاع أسعار السلع الأساسية نحو 4 أضعاف سعرها الحالي المدعوم، وعليه فقد يصل سعر صفيحة البنزين إلى 100 ألف ليرة وكلفة النقل سترتفع بطبيعة الحال 3 مرات، وفق نقابات النقل البري التي حذرت من أن رفع الدعم سيكون انطلاقة الشرارة لإشعال البلاد. المحللة الاقتصادية محاسن مرسل، أوضحت لـ القبس أن المبلغ المتبقي لدى المصرف المركزي يتراوح بين 1 و3 مليارات دولار، ولفتت الى إمكان أن يبقى القمح مشمولاً بالدعم؛ لأن كلفة استيراده لا تتخطى 150 مليون دولار سنوياً.
وتلفت مرسل إلى أن تنظيم عملية الدعم وتحديد أيٍّ من المواد تستوجب دعمها يهدفان لتخفيف الضغط عن مصرف لبنان واستخدام الاحتياطي المتبقي أطول فترة ممكنة، موضحة أن وقف الدعم والاستمرار فيه، كلا الخيارين مُر «لكن الأمَرَّ هو وقف الدعم»، إذ تشير التقارير والمشاهدات الميدانية إلى دخول اللبنانيين سيناريو كارثياً إلى حد مجازفة عائلات بالهجرة في قوارب الموت هرباً من الجوع، «إذ إن الكارثة الاجتماعية تلامس حالياً حدود المجاعة، فكيف مع دخول رفع الدعم حيِّز التنفيذ؟».
يتصدر الشأن المعيشي هموم اللبنانيين، الذين تتعاظم مخاوفهم من عدم قدرتهم على تأمين حاجاتهم الأساسية من الأدوية والمستلزمات الطبية والخبز والمحروقات، إلى جانب سلع مشمولة بالسلة الغذائية، مع توجه مصرف لبنان لرفع الدعم عن السلع الأساسية، في حين أن الموجة الثانية من كورونا تتفاقم بشكل دراماتيكي.
حين دق حاكم المركزي رياض سلامة قبل ثلاثة أشهر جرس الإنذار معلنا أن المصرف المركزي لن يكون قادراً على تحمل تبعات سياسة دعم المواد الأساسية التي يعتمدها منذ انهيار سعر صرف الليرة، كان احتياطي المركزي نحو 20 مليار دولار، منها 3 مليارات قابلة للاستخدام قبل الوصول الى الاحتياطي الإلزامي للمصارف الممنوع التصرف به والبالغ 17.5 مليار دولار. وبحسب وزير الاقتصاد راوول نعمة تحتاج عملية الدعم شهرياً الى 700 مليون دولار، ما يعني ان وقف الدعم سينطلق أواخر شهر أكتوبر الجاري، على أن يبدأ تدريجيا بالمحروقات أولا ثم بالدواء في المرحلة الأخيرة.
ماذا سيحدث حين يتوقف الدعم عن المحروقات والطحين والدواء؟ سيضطر التجار الى اللجوء للسوق السوداء لتأمين الدولارات لاستيراد السلع المطلوبة، التي يقدر الخبراء ارتفاع أسعارها نحو 4 أضعاف سعرها الحالي المدعوم.
وفق ما يتم تداوله سيصل سعر ربطة الخبز إلى حدود الـ8 آلاف ليرة، في حال احتسابها على سعر الدولار الحالي. وستتضاعف تكاليف الطبابة ما بين 6 إلى 7 مرات.
أما صفيحة البنزين فقد يصل سعرها إلى 70 ألفاً. والأخطر أن ارتفاع أسعار هذه السلع الأساسية لن يبقى محكوماً بسقف معين، لأن دولار السوق السوداء، ونتيجة الطلب المتزايد عليه، سيقفز إلى ما فوق 10 آلاف ليرة، وبالتالي سترتفع الأسعار طردياً معه.
كل المعطيات تشير إلى أن لبنان بات أمام كارثة اجتماعية في حال طُبّق وقف الدعم. الصحافية الاقتصادية، محاسن مرسل، أوضحت في بداية حديثها مع القبس أن المبلغ المتبقي لدى المصرف المركزي يتراوح بين 1 و3 مليارات دولار، ولفتت الى إمكانية أن يبقى القمح مشمولا بالدعم، لأن كلفة استيراده لا تتخطى 150 مليون دولار سنوياً.
ومع اقتراب رفع الدعم عن الدواء، تهافت عدد كبير من اللبنانيين الى شراء أدويتهم وتخزينها مخافة أن تنقطع من السوق. نقيب المستشفيات سليمان هارون قال: «إذا رُفع الدعم عن الدواء، فسيؤدي إلى انهيار القطاع الصحي، إذ لن يكون بإمكان المستشفيات تأمين الدواء وستعجز عن استقبال المرضى الذين لن يكونوا قادرين على دفع تكلفة الدواء».
وفي هذا الاطار تنقل محاسن مرسل عن نقيب مستوردي الادوية، كريم جبارة، أن دعم الدواء لن يتوقف ما لم يتم إقرار خطة بديلة، قد تشمل دعم أدوية الامراض المستعصية والمزمنة او دعم أدوية الجينيريك. علما ان الآلية لا زالت غير واضحة حتى الساعة.
وكلفة النقل مهددة بالارتفاع بطبيعة الحال مع ارتفاع سعر صفيحة البنزين إلى 70 ألفاً تقريباً، علما بان هذا السعر سيتغير تبعا لسعر صرف الدولار أو سعر برميل النفط عالمياً، ويتوقع عاملون في هذا القطاع أن تلامس صفيحة البنزين سعر الـ100 ألف ليرة لبنانية أو أكثر.
وقبيل رفع الدعم، حسم رئيس اتحادات ونقابات النقل البري بسام طليس سعر تعرفة السرفيس بـ 9 آلاف ليرة والتاكسي بـ 45 ألف ليرة، وذلك وفق تسعيرة الدولة التي تقول للسائق العمومي: «اضرب تعرفتك بثلاثة». وارتفاع أسعار المحروقات سينعكس على كل القطاعات الإنتاجية، الزراعية والصناعية، كما على التدفئة ومولدات الاشتراك والاتصالات والانترنت. والمقلق في هذه الحالة إضافة الى تحليق الأسعار ان يعمد تجار معروفون الى احتكار المحروقات لتهريبها الى خارج الحدود. وحذّرت اتحادات ونقابات قطاع النقل البري «حكومة تصريف الأعمال والمسؤولين المعنيين من الإقدام على رفع الدعم لأنه سيكون انطلاقة الشرارة لإشعال البلاد، وسيكون للسائقين الدور الأساس في هذه الانطلاقة».
ويترافق الحديث عن رفع الدعم مع كلام عن توجه الدولة لاصدار بطاقات لدعم العائلات تمكنها من تأمين الفرق بين سعر السوق والسعر الرسمي للتخفيف من الأعباء المترتبة على رفع الدعم. وفق مرسل سيؤدي رفع الدعم الى سحق الطبقة المتوسطة ودفعها الى خانة الطبقة الفقيرة، في ظل غياب رؤية واضحة وإقرار آلية لمعرفة من هو مستحق ومن هو غير مستحق.