في الظاهر “الكل ينتظر الكل”. في الباطن، “الكل يشتري الوقت مراهنا على تقلبات دولية واقليمية”. بهذه الكلمات تختصر مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” الوضع السياسي في البلاد، والخلاصة: لا حكومة في المدى المنظور. نعم، فيما اللبناني جائع وفقير ومريض، يركب قوارب الموت هربا من الوضع المعيشي المزري الذي بات فيه، والذي سيتحوّل “جهنّم” حقيقية واكثر، مع رفع الدعم عن السلع الاساسية والاولية، القوى السياسية في واد آخر، تتاجر وتتحاصص وتنتظر انتخابات اميركا او ضوءا اخضر سعوديا للافراج عن الحكومة العتيدة.
المسار الدستوري يقول ان الاستشارات النيابية لتكليف رئيس للحكومة، كان يفترض ان تحصل غداة اعتذار مصطفى اديب. الا ان السلطة باتت تمتهن خرق الدستور، تتابع المصادر، من هنا، يجري الربط بين التكليف والاتفاق المسبق على التأليف، قبل الدعوة الى الاستشارات. وهنا، يحاول اهل السلطة، اي رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر والثنائي الشيعي، رمي هذه الطابة في ملعب رؤساء الحكومات السابقين، على اعتبار ان عليهم ان يبادروا الى طرح اسم للتكليف، كما فعلوا ابان تسمية مصطفى اديب، علما ان الفريق الحاكم يدرك ان هؤلاء لن يكرروا التجربة. ونادي الاربعة، تتابع المصادر، ينتظر في المقابل تعديل الثنائي الشيعي في شروطه، لان ابقاءها على حالها لناحية التمسك بالمالية وتسمية الوزراء الشيعة في الحكومة لن يساعدا في الحلحلة.
في الموازاة، يراهن رئيس الجمهورية ميشال عون على دخول فرنسي متجدد على الخط اللبناني، يساهم في تحريك المياه في مستنقع المبادرة الفرنسية. هذا التدخّل، وفق المصادر، قد يحصل في الساعات القليلة المقبلة، وقد يسرّع في تحديد موعد للاستشارات. هي قد تحصل وقد تنتهي بتكليف شخصية ما، لكن هل ستتمكن الاخيرة، من التأليف؟ ام اننا سنكون امام “مسرحية” جديدة، تُطرح في فصولها الشروط والشروط المضادة، عينها، ويكون هدفها حرق الوقت لا اكثر، وإظهار العهد وكأنه يحاول فعلا الدفع نحو تشكيل الحكومة وانجاح المبادرة الفرنسية، علما ان القوى السياسية كلّها باتت تعرف ان جوهرها هو الذهاب الى حكومة من الاكفاء “المستقلّين” القادرين على الاضطلاع بمهمة انقاذ البلاد وانتشالها من الحفرة التي تتخبط فيها منذ اشهر، بعيدا من الحسابات الحزبية والطائفية والمذهبية الضيقة؟
على الارجح، سينال التكليف الجديد اذا تم، مصير تكليف أديب الاسود عينه، الا اذا قرر اهل السلطة كسر المحرّمات من جديد، والذهاب الى حكومة من لون واحد شبيهة بحكومة حسان دياب. هم حتى الساعة، يرفضون هذا الخيار رفضا مطلقا، الا ان ضرورة كسر الستاتيكو السلبي القاتل قد يجرّهم الى خطوة – خطيئة من هذا القبيل، مع انها حتى الساعة مستبعدة، فيما يجري في المقابل التسويق لطرح تعويم حكومة دياب وتفعيلها.
عليه، يمكن القول اننا في نفق انتظار طويل، لا ضوء ظاهرا في نهايته بعد، وهو لن يظهر قبل انتخابات 3 تشرين المقبل، الاميركية. وكل ما سيدور على الخشبة السياسية، او لن يدور، لن يكون غرضه الا ملء الوقت الضائع… في فترة الانتظار الثقيلة والمكلفة والقاتلة هذه، يمكن للبنانيين ان يستسلموا او ان يثوروا…