كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
قبل ان تقلع المفاوضات في شأن ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، والتثبت من صدق التزاماتها، سيبقى النقاش قائماً حول مضمون «اتفاق الإطار»، وما استند اليه، انطلاقاً من تفاهم نيسان 1996 والقرار 1701، بعدما اهمل ما قالت به الحدود الدولية المرسّمة بين لبنان وفلسطين المحتلة عام 1923، وهو ما دفع بمرجع ديبلوماسي عتيق الى التحذير من ذلك، على خلفية امكان استفادة اسرائيل من هذه الثغرة. فكيف يمكن ذلك؟ ولماذا؟
ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر وصول مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر في الثاني عشر من الشهر الجاري، للمشاركة في اول جلسة مفاوضات في ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان واسرائيل، التي تقرّرعقدها في الرابع عشر منه، في مقر قيادة القوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) في الناقورة، تحت علم الامم المتحدة وبرعاية الولايات المتحدة الاميركية كما قالت «اتفاقية الإطار» بين الأطراف المعنية، والتي أُذيعت رسمياً في وقت واحد بين بيروت وتل ابيب، قبل ان يباركها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، ضماناً لدور بلاده الرعائي.
وان كان الاتفاق على استضافة مقرّ القوات الدولية للمفاوضات لم يعد بنداً للنقاش او لإثارة المخاوف من الجانب اللبناني، كما بالنسبة الى البت بالطابع العسكري للمفاوضات، كما ارادها، رغم اصرار الجانب الإسرائيلي حتى الأمس القريب على مفاوضات بين البلدين على المستوى الديبلوماسي. لكن ذلك لا يُعتبر نهاية للمطاف، فالقلق ما زال موجوداً لدى اكثر من مرجع ديبلوماسي حول قول «اتفاقية الإطار»، بالإستناد الى مضمون تفاهم 26 نيسان 1996 وقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في 12 آب 2006، في اعتباره قد يشكّل مدار جدل في المستقبل، قد لا يكون ذلك مفيداً للبنان كدولة، نظراً الى ما يعتريه الأمر من مخاوف.
وعليه، يعبّر مرجع ديبلوماسي لبناني مطلع، عن قلقه من بعض الفجوات التي يمكن ان تنعكس على مصير المفاوضات، وعلى مصلحة الدولة اللبنانية وحقوقها. ويبرّر ذلك انطلاقاً من الزعم انّ «ما جرى من مفاوضات في السنوات الثلاث الماضية، كان خلافاً لأحكام الدستور، الذي اناط برئيس الجمهورية كل اشكال المفاوضات مع الخارج». وأضاف: «ان من قَبل هذا الإطار التفاوضي ويدعمه، يعلم تماماً أنّه يدفع لبنان الى التنازل عن مساحة كبيرة من مياهه وترابه الوطني لمصلحة إسرائيل». وإنّ ما جرى الاعلان عنه «انما يخدم مصالح سياسية خاصة على حساب لبنان وحقوقه».
وتساءل الديبلوماسي، مبرراً زعمه هذا، مفنداً ما يعنيه تشدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري، على أنّ الإطار التفاوضي يستند إلى «تفاهم نيسان» والخط الأزرق، بالقول:
– إنّ تفاهم نيسان قام بين «قوى الأمر الواقع» وإسرائيل برعاية أميركية. وكالعادة انضمت الحكومة يومها تحت عامل الإكراه المادي الى هذا التفاهم. وهو امر يعني بموجب هذا التفاهم «أنّه متابعة لما تمّ الاتفاق عليه مع «حزب الله» في شأن تحييد الأهداف المدنية عن عملياتهما العسكرية». وهذه نتيجة طبيعية للمفاوضات التي تمّت يومها. فمن أدار المفاوضات مع الأميركي هو من تلك القوى. وبالتالي، فإنّ من يقبلون به من اهل السلطة فإنّهم «يشاركون في انتهاك الدستور».
– أما بالنسبة الى اعتبار «الخط الأزرق» هو الإطار لتحديد الحدود، فيشكّل ابشع مخالفة وطنية موصوفة وصريحة أيضاً في حق هذا الوطن. فهذا الخط الأزرق هو خط عسكري أمني وليس قاعدة قانونية لتحديد الحدود. فالحدود بين الجانبين محددة بوضوح في اتفاق الهدنة لعام 1949، الذي يؤكّد أنّ الحدود بين الجانبين هي الحدود المعترف بها دولياً، أي الحدود التي رُسمت بين لبنان وفلسطين عام 1923. فالخط الأزرق يمنح إسرائيل ولو على سبيل أمني، مسافة مهمة ضمن الأراضي اللبنانية، فينتهي خط الحدود البري وفقاً له، داخل لبنان، ويؤدي الامتداد الجغرافي الفني لهذا الخط في المياه الإقليمية، إلى خسارة لبنان مساحة كبيرة من مياهه الإقليمية لمصلحة إسرائيل.
والى هاتين القاعدتين بخلفياتهما الدستورية والقانونية الدولية، يخشى الديبلوماسي العتيق ان تكون بعض المواقف التي رحّبت بـ «الاتفاق الاطار»، تسعى الى نصر سياسي داخلي وخارجي، لمجرد اعتقادها انّها «ستستفيد من الاتفاق الإطاري الهجين» سياسياً وديبلوماسياً. وان «تنازل لبنان عن جزء من حقوقه الوطنية يمكن أن ينقذه من النيران المشتعلة من حوله وداخله. ويستخدمونه كوسيلة لتسجيل نقاط سياسية في مرمى أغراضهم السياسية».
وأضاف الديبلوماسي، مفسّراً موقف «حزب الله» الذي وافق على مضمون الإتفاق فيقول: «انّه يقبل بالاتفاق لغاية محض إقتصادية، معتبراً أنّها من الأهداف المدنية». أي انه «لا يمنح أي اعتراف سياسي لإسرائيل، بل يقبل بتحييد نشاطها الإقتصادي في مياهها الإقليمية، في مقابل تحييد النشاط الإقتصادي للبنان في مياهه الإقليمية، عن نيران أسلحتهما». وهو بهذه الطريقة يترك لنفسه «حرية التصرف عسكرياً» وامكان «ايجاد حجة للجوء إلى سلاحه» في اي وقت.
وتأسيساً على ما تقدّم، يحذر المرجع الديبلوماسي من «انّ هذا الإتفاق لن ينقذ لبنان من النار، بل سينقذ السلطة الفاسدة من المأزق الإقتصادي الذي أوقعت لبنان فيه». ومن سيضمن لاحقاً «أنّه يمكن الاستفادة في ظلّ هذه السلطة من الثروات البحرية» على قاعدة ربطه بين الخطوة التي استُدرج اليها لبنان تحت عنوان «الإتفاق الإطاري»، وخصوصاً إن وضع في اطار النزاع الأميركي ـ الإيراني، حيث يمكن طهران انّ تقدّمه «جزرة إلى الولايات المتحدة لخدمة مفاوضاتها معها لا أكثر». فهي «لا تخسر شيئاً، بما في ذلك إمكانية استخدام سلاح الحزب حين تشاء».
وبمعزل عن هذه القراءة الديبلوماسية وحجم التصاقها بمضمون الاتفاقات الدولية التي تجاهلها «الاتفاق الاطار»، يؤكّد المرجع الديبلوماسي انّه «لا ينقذ لبنان إلّا التمسّك بالعدالة والمطالبة بحقوقه الوطنية». وهو امر يدفع، في رأيه، إلى مخاطبة الرأي العام الدولي ومجلس الأمن تحديداً، لمطالبته بـ «تنفيذ اتفاق الهدنة الذي تبنّاه المجلس وفقاً للمادة 40 من الفصل السابع من الميثاق، ومساعدة لبنان في التخلص من قوى الأمر الواقع واستعادة سيادته واستقلاله وحريته، ووقف الانتهاك الإسرائيلي لحدوده الوطنية». فلبنان ملزم فقط بموجب هذه القواعد التي يكرّسها القانون الدولي بـ «منع استخدام أراضيه لأعمال عدوانية ضد إسرائيل». وان تعذّر ذلك، علينا وفي حال عدم الاتفاق على رسم الحدود «الاعتماد على خبراء دوليين محايدين، يعتمدون الآليات القضائية الدولية، كمحكمة العدل الدولية والمحكمة الدولية لقانون البحار لتسوية الخلاف».
وتمنّى المرجع في نهاية قراءته، ان تُعتمد الشفافية في شأن هذه المفاوضات، التي سيتولاها وفد تقني ومختص لهذا الغرض، وان يصرّ الشعب اللبناني على مراقبتها بدقة، وعندها لن يكون صعباً التثبت من سيل الملاحظات هذه ودقتها ومخاطرها.