كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يحاول محور “الممانعة” الترويج في الصالونات السياسيّة بأن صفقة ترسيم الحدود تؤمن حبل نجاة لهذا المحور وتبعد عن أتباعه سيف العقوبات. ويراهن بعض السياسيين داخل فريق 8 آذار على تغيير نمط السياسة الأميركية، بعد التنازل الذي قدمه “حزب الله” ورئيس حركة “أمل” نبيه برّي في موضوع ترسيم الحدود اللبنانية- الإسرائيلية. لم يعد يرى هذا الفريق أي فرق إذا ما فاز المرشح “الديموقراطي” جو بايدن أو أعيد التجديد للرئيس دونالد ترامب، حتى ذهب بعضهم بعيداً في تمني فوز ترامب لأن الصفقة مع إسرائيل رعتها إدارة ترامب وأي رئيس جديد سيعيد دراسة كل الملفات وربما يبدّل رأيه. لكن مثل هذه الرهانات تذهب سدى إزاء المواقف المتتالية لواشنطن والتي تؤكّد أن الغضب من فساد الطبقة السياسية في لبنان، هو مسار منفصل عن مسألة ترسيم الحدود، فلبنان غارق في الفساد برعاية دويلة “حزب الله”، ولا شيء يضمن الا تتجدّد العقوبات لاحقاً وبشكل أقوى وأكثر فعالية، خصوصاً بعد إكتشافها أن هذا الفريق لا يسير بالجزرة الفرنسية بل بالعصا الأميركية الغليظة. ورغم ذلك يراهن الاميركي على التغيير الديموقراطي في لبنان وليس التغيير بالقوة واللجوء إلى السلاح، وتصرّ واشنطن على وجود خطوط حمراء في بيروت وهي حفظ الأمن والإستقرار وعدم الإنجرار إلى دوامة العنف. وأمام الإصرار الأميركي على “تطيير” الطاقم الحاكم الذي يرعاه “حزب الله”، هناك حذر مقابل من الإنتخابات النيابية المبكرة.
وقد عبر عن هذا الحذر، حسب معلومات “نداء الوطن”، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان ولقائه النواب المستقيلين ومجموعات من المجتمع المدني، حيث كان شينكر واقعياً وعملياً وقال ما معناه: ماذا فعلتم منذ عام حتى الآن، أين المعارضة الموحّدة التي تقدّم برنامج عمل، أين القيادة البديلة، لماذا لم يحصل توحيد للمواقف وللبرامج والخطابات والساحات؟ يعتبر الأميركي أن أي إنتخابات ستحصل وفق هذه الأجواء وفي ظل تشرذم المعارضة السياسية ومجموعات الحراك المدني، إنما ستؤدّي إلى نتيجة واحدة وهي إعادة بسط “حزب الله” سيطرته على المجلس النيابي وتحكّمه بالمؤسسات الشرعية، عندها ستكون النتيجة كارثية وخيبة الأمل ستكون أكبر بكثير. ولم يأت كلام شينكر القاسي إلى ممثلي المجتمع المدني والمعارضة في إطار الإنتقاد، أو كما فسّره البعض بأنه إنقلاب أميركي في السياسة اللبنانية بعد صفقة ترسيم الحدود، بل أتى في إطار التحفيز والإضاءات على ثغرات أساسية موجودة في المعارضة وسط مخاوف من أن تنتج أي إنتخابات جديدة أغلبية موالية لـ”حزب الله” مجدداً، عندها يكون أبرز مطلب للثورة وهو إجراء إنتخابات نيابية مبكرة قد أثبت فشله لأنه أعاد القديم إلى قدمه.
ولكن يبقى الموقف الأميركي في إطار التمنيات، مع غياب أي مسعى أميركي جدّي من أجل دعم إنشاء معارضة موحّدة، لإصرار الإدارة الأميركية على عدم الدخول في التفاصيل اللبنانية، بل إن سياستها في لبنان تهدف إلى حماية مصالحها الإستراتيجية الكبرى، لذلك يجب على مجموعات الثورة، بناء على ما قاله شينكر، أن تتكل على نفسها وأن تقدّم للرأي العام قيادة موحدة بأهداف واضحة وبرنامج عمل يحاكي ملفات الإصلاح ومحاربة الفساد، لأن الإستمرار بهذا النمط سيجعل قوى السلطة مرتاحة على وضعها، وتستمر في سياسة الفساد ونهب مقدرات البلاد.