كما المال السائب “يُعلّم على الحرام”، كذلك الدولة السائبة والحدود الفالتة والمعابر المستباحة والموانئ المشرّعة أمام أهل النهب والنصب والتهريب… وباخرة “جاغوار أس” التي رست قرب مرفأ الزهراني وافتضح أمر ضلوعها بتهريب الفيول إلى سوريا عبر استخدام “مانيفيست” مزورة تفيد بأنّ وجهتها لبنان، لم تكن الباخرة الأولى ولا الأخيرة ضمن أسطول “كارتيل” التهريب بين لبنان وسوريا على ما يشتبه المحققون ويتعمقون في التدقيق قضائياً به. وإذا كانت التحقيقات بهذه القضية لا تزال أسيرة التناقضات في الإفادات والشهادات بين الموقوفين والمتهمين، فإنّ قضية “باخرة الموت” التي شحنت أطنان نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت بطرق ملتوية لا تزال هي الأخرى غارقة في علامات الاستفهام حول الجهة التي ساقتها إلى لبنان ودفعت باتجاه حجز حمولتها في مرفأ بيروت، سيما وأنّ التحقيقات العابرة للحدود لم تسفر بعد عن كشف طلاسم هذه القضية، وما زالت نتائجها تراوح بين “إفادات بالعموميات وأجوبة غير مقنعة”.
بالأمس أحالت النيابة العامة التمييزية إلى المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي فادي صوان التحقيقات التي أجرتها السلطات القضائية الأردنية بموضوع الباخرة “روسوس” بناءً على إرسال المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إستنابة دولية عبر الإنتربول طالباً فيها من السلطات الأردنية التحقيق مع الأشخاص الذين ساهموا ببقاء الباخرة في بيروت وتعرضها لأضرار منعتها من المغادرة، على خلفية الطلب منها نقل معدات مسح زلزالي من بيروت وتفريغها في ميناء العقبة الأردني عبر وكيل بحري لشركة تمتلك مكاتب في الأردن، في حين تترقب النيابة العامة رداً مماثلاً من السلطات في الموزامبيق على الإستنابة الدولية الصادرة في الملف عينه، ربطاً بكون “روسوس” كانت قد انطلقت من مرفأ ”باتومي” في جورجيا إلى مرفأ “بايرا” في الموزمبيق قبل أن تنحرف عن مسارها المحدد أثناء وجودها في عرض البحر بناءً على طلب مالك السفينة لتتجه لاحقاً إلى مرفأ بيروت.
وفي المعطيات التي استحصلت عليها “نداء الوطن” حول التحقيقات التي تجري في الخارج حول القضية، كانت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي قد أوفدت ضباطاً لديها إلى تركيا للتحقيق مع المدعو محمد حنتس بناءً على طلب القاضي عويدات، وهو السمسار الوكيل (broker) الذي استقدمت من خلاله الباخرة روسوس الى مرفأ بيروت لنقل معدات المسح الزلزالي.
وخلال استجوابه من قبل ضباط المعلومات بالتنسيق مع الجانب التركي، أفاد حنتس بأنه كان قد تلقى اتصالاً من شركة كوجيك من لبنان ومن شخص أردني لطلب تأمين باخرة تقوم بنقل معدات المسح الزلزالي من بيروت إلى العقبة، وعلى الأثر قدّم إلى الشركة “عروض أسعار” غير أنّها اختارت “روسوس” باعتبارها كانت “الأرخص”، ثم عمد حنتس إلى ربط المعنيين في شركة كوجيك بصاحب السفينة الروسي الموجود في قبرص، وحصل التعاقد بينهما لاستئجار “روسوس” وتكليفها بمهمة نقل المعدات من مرفأ بيروت. وعند هذا الحد انتهى دور حنتس، فقدّمت شعبة المعلومات تقريرها حول التحقيقات التي أجريت معه في تركيا إلى مدعي عام التمييز الذي بدوره أحال التقرير إلى القاضي صوان.
وإلى قبرص، كان لضباط المعلومات دور كذلك في عملية التحقيق مع مالك الباخرة الروسي، إذ وبعد التواصل عبر الانتربول مع السلطات القبرصية، طلبت الأخيرة من الجانب اللبناني إرسال الأسئلة التي يراد طرحها على صاحب الباخرة لتتولى قبرص التحقيق معه، وهكذا حصل لكن الأجوبة التي تسلمتها “المعلومات” لاحقاً لم تكن شافية، فطلبت الشعبة مجدداً السماح لضباطها بالحضور شخصياً لاستجوابه، فوافقت السلطات القبرصية وانتقل فريق المعلومات بطوافة تابعة للجيش اللبناني إلى قبرص حيث استجوبوا مالك “روسوس” الروسي الذي بدا مراوغاً في إجاباته وتذرّع بأنه “لا يتذكّر شيئاً أكثر من أنّ الباخرة وصلت إلى لبنان وتراكمت عليها الديون ولم يتابع بعدها الموضوع!”.
وبناءً على اعتبار “إفادته غير مقنعة وغير متماسكة”، طلب عويدات الادعاء عليه والطلب الى الانتربول تسطير مذكرة توقيف دولية بحقه، غير أنّ بعض المصادر القانونية تشير إلى أنه يتحصن حالياً بالقانون الدولي الذي يجيز لقبرص عدم تسليمه إلى لبنان إنما إلى وطنه روسيا في حال قررت تسليمه بموجب المذكرة الدولية.