كتبت صحيفة “الأخبار”:
منذ بدء تفشي فيروس كورونا قبل أشهر، وتوقف النشاط الرياضي في جميع دول العالم، بدأت الأندية والاتحادات باتخاذ إجراءات تقشّفية في محاولة للحد من الخسائر الاقتصادية، وبالتالي غياب العائدات جراء بيع تذاكر المباريات، وأموال النقل التلفزيوني، كما أموال بيع أطقم الأندية… ووصلت الأمور الى حد توقيف موظفين عن العمل، ولكن المفارقة كانت بتوقيف صغار الموظفين وإبقاء أصحاب الرواتب الهائلة
بعد وقت قليل على إعلانه التعاقد مع لاعب أتلتيكو مدريد الغاني توماس بارتي مقابل 50 مليون يورو، أعلن نادي آرسنال الإنكليزي إيقاف «تميمة» الفريق عن العمل المعروف باسم «Gunnersaurus» بحجة الأزمة الاقتصادية وأزمة كورونا وغياب الجماهير عن الملاعب. قرار إدارة النادي اللندني أثار استغراب جماهير النادي في العالم وغضبها أيضاً، على اعتبار أن التميمة تحضر في الملعب وتناصر الفريق وتتواصل مع المشجعين منذ 27 عاماً، وبالتالي كان يجب أن تبقى ويُدفع راتبها حتى ولو أن الجمهور غائب اليوم، خاصة أن هذا الراتب يُعتبر متواضعاً جداً بالنسبة إلى مصاريف النادي الشهرية.
هذا التصرف من نادٍ يُعتبر من الأغنى في بريطانيا والعالم، أعاد إلى الأذهان الإجراءات التي اتخذتها أندية أوروبا خلال فترة التوقف بسبب تفشي فيروس كورونا، خاصة بعد إيقاف العاملين في الملاعب والموظفين أصحاب الرواتب الصغيرة في مواقف السيارات، أو مرافق الملاعب عن العمل من أجل توفير رواتبهم، في وقت بقيت رواتب اللاعبين والمدربين عالية جداً، حتى بعد اقتطاع جزء منها.
موجة غضب كبيرة طاولت آرسنال بعد إعلانه توقيف التميمة عن العمل، حتى إن بعض المشجعين بدؤوا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل جمع راتب التميمة لكي تبقى في العمل ولا تتوقف بعد كل هذه السنوات الطويلة من العمل. وأخيراً عرض النجم الألماني مسعود أوزيل، التكفّل براتب «تميمة» الفريق. وأعلن أوزيل عبر حسابه الرسمي على «تويتر»، أنه سيتكفل شخصياً براتب «الديناصور الأخضر»، طالما هو لاعب للفريق، وكتب: «كنت حزيناً للغاية، لأن «جيري كوي أكا» تميمتنا المخلص والشهير، تم الاستغناء عنه بعد 27 عاماً من العمل. جراء هذا القرار، أعرض على آرسنال دفع الراتب كاملاً لرجلنا الأخضر، طالما أنا لاعب للفريق، حتى يتمكن «جيري» من مواصلة عمله الذي يحبه كثيراً».
واستغربت عدة جهات تصرف النادي، خاصة أن لاعبي الفريق يتقاضون رواتب هائلة كل أسبوع. ويتصدر مهاجم آرسنال الغابوني بيير إيمريك أوباميانغ صدارة اللاعبين الأعلى أجراً في الدوري الإنكليزي الممتاز بأكثر من 380 ألف يورو أسبوعياً مع مكافآت خاصة لم يُكشف عن قيمتها بعد تجديد العقد أخيراً. أما لاعب الفريق الآخر أوزيل فيتقاضى 380 ألف يورو أسبوعيّاً. كما يحصل البرازيلي ويليان على نحو 241 ألف يورو أسبوعياً من النادي الندني. أرقام هائلة يدفعها النادي للاعبي الفريق فيما يعجز عن دفع راتب متواضع (أقله أمام هذه الرواتب الكبيرة) لتميمة تعمل في النادي منذ 27 عاماً.
وفتح هذا الأمر نقاشاً طويلاً حول السياسات التي تتبعها الأندية خاصة في إنكلترا، وكيف تسعى هذه الأندية للكسب المادي، ضاربة بعرض الحائط كل القيم والمبادئ والصورة التي كانت تسعى الكثير من الأندية للحفاظ عليها، والتي كانت تعطيها صفة العراقة. بات اهتمام الأندية اليوم منصباً على شباك التذاكر وعائدات النقل التلفزيوني، وكيفية التوقيع مع لاعبين يعزّزون صورة النادي من أجل بيع المزيد من الملاعب الخاصة بالنادي، من أجل الكسب المادي.
الأندية تحافظ على لاعبيها الذين باتوا كرجال الأعمال، وترضيهم برواتب بمئات ملايين الدولارات، حتى إنها ترضخ للجمعيات والمؤسسات التي ترعى مصالح هؤلاء اللاعبين الأغنياء، فيما تتخلى عن موظفين كان لهم دور أساسي في تحسين صورة النادي خلال السنوات الماضية، إلا أنه مع تبدّل الأزمنة، يصبحون خارج أسوار الملاعب التي لطالما ضحّوا من أجلها.
آرسنال وقع في فخّ الجشع، والأكيد أنه خسر عدداً لا بأس به من جماهيره بعد قرار وقف التميمة عن العمل في هذه الظروف، وفي ذات اليوم الذي تعاقد فيه مع لاعب مقابل 50 مليون يورو.