IMLebanon

حالة اللبناني المكتئب

كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

من أصعب الأمور التي يمرّ بها الإنسان هو الشعور بعدم القدرة على التغيير. فالشعور الدائم والمستمر بعدم القدرة، يؤدي إلى مشكلات علائقية: مشكلات مع العائلة، أو حتى مع الزملاء في العمل، وصولاً إلى مشكلات مع الآخر بشكل عام. وعندما تتفاقم تلك المشكلات، يطل القلق ويتبعه الإكتئاب، الذي هو ليس سوى نتيجة لاختبارات سلبية عاشها الإنسان، ناهيك عن إضطرابات هرمونية وفيزيولوجية. عادةً، يمكن للإنسان بسهولة السيطرة على مشاعره، متأملاً بغد أفضل. ولكن وللأسف، معظم اللبنانيين في أيامنا هذه، مهما كانت مهامهم في المجتمع، يمرون إما بالإكتئاب «الظاهر»، وإما بالإكتئاب «الكامن». فما هو الفرق بين الاثنين؟ كيف يمكننا أن نتساعد أو نساعد أشخاصاً يمرون بهذه المرحلة التي لا نور فيها؟ وهل يمكن أن نستبدل هذه الضبابية بالأمل؟

الإكتئاب هو حالة نفسية، اسبابها كثيرة، وهناك كثير من الأشخاص يبرعون في إخفاء مشاعرهم. ولكن بشكل أو بآخر، يمكن أن يظهر الإكتئاب بوضوح، في بعض التصرفات اليومية أو حتى من خلال الأحلام. كما يمكن للإكتئاب أن يأخذ أشكالاً وإضطرابات متعددة، تترافق معه، مثل القلق أو الخوف من موقف أو شيء ما. ولكن مما لا شك فيه، هو أنّ حالات الاكتئاب أصبحت أكثر شيوعاً في المرحلة الصعبة التي يمر فيها لبنان، بعد الإحتجاجات في شهر تشرين الأول الفائت، وبعد كورونا وتدهور الإقتصاد، والمشكلات في البنوك وصعوبة الحصول على الإيداعات المالية، ثم إنفجار مرفأ بيروت… وغيرها من أمور تراكمت وجعلت من اللبناني فريسة سهلة للإكتئاب.

أوجه الإكتئاب

هناك أشكال عدة من الإكتئاب، الذي يتراوح ما بين الإكتئاب المرضي أو الميلانكوليا والإكتئاب الخفيف. فكيف قسّم علم النفس المرضي هذا الإضطراب النفسي؟

أولاً، الإكتئاب الشديد، هو الإكتئاب المرضي الذي يستدعي الدخول إلى المستشفى للعلاج. يمكن أن يدوم لأشهر، ويكون المريض غير قادر على مساعدة نفسه، حيث يؤثر اكتئابه على عمله ونومه وتناوله للطعام، وطبعاً تغيب عنده متعة الحياة.

ثانياً، الإكتئاب النصفي أو Dysthimia الذي يكون أقل حدّة من النوع الأول، ولكن هذا لا يعني عدم احتمال تطوره وتحوّله إلى إكتئاب شديد. طبعاً هذا النوع من الإكتئاب يمكن أن يدوم أسابيع عدة، ومعاينة الطبيب ضرورية خصوصاً عندما يصبح التفكير مشوشاً وسلبياً جداً.

ثالثاً، الوجه الثالث للإكتئاب هو إضطراب ثنائي القطب: الإكتئاب-الهوس، حيث تتناوب فترات من الإكتئاب وفترات أخرى من الهوس. هذا النوع من الإكتئاب هو بحاجة أيضاً للمعاينة الطبية.

رابعاً، الإكتئاب الخفيف، وهو الإكتئاب الذي أيضاً بحاجة للمتابعة النفسية والطبية، وأسبابه تكون نفسية وإجتماعية.

اسباب ظهور الإكتئاب

السبب الحقيقي للإكتئاب غير معروفة حتى يومنا هذا. فهناك فرضيات تعتبر بأنّ بعض المواد الكيميائية في دماغ الإنسان تصبح في حالة عدم توازن، يمكن أن تؤدي إلى هذه الحالة. كما يمكن لأسباب نفسية وإجتماعية وإقتصادية أن تدفع الإنسان للإكتئاب. وهذه هي الحال في لبنان: مشكلات من كل الأنواع تدفع بكل بساطة الأشخاص، خصوصاً من لديه استعداد للوقوع في الحزن، إلى الاكتئاب. وتتغيّر علامات الإكتئاب ما بين المرأة والرجل الذي، ليس بالضرورة، تظهر عليه علامات الحزن. ربما يجد الاخصائيون النفسيون نوعاً من القلق الشديد، عدم الشعور بالراحة جسدياً، اضطرابات النوم، تضاؤل في الطاقة وانعدام الثقة، الغضب، التهيّج والتوتر. وعادةً، في حالة الإكتئاب يستسلم الرجل لجميع انواع المخدرات وتعاطيها، مع سلوك قهري وإرتفاع خطر محاولة الإنتحار. فيما عند المرأة، فجميع عوارض الإكتئاب تظهر بوضوح في تصرفاتها: إنغلاق، بكاء، قلق، خوف، أفكار إنتحارية (خصوصاً إذا كان الإكتئاب شديداً).

عوارض الإكتئاب

نتيجة الأزمات التي يمرّ بها لبنان إقتصادياً وسياسياً، والضغط الخارجي عليه وعلى طريقة معالجته للأمور الإجتماعية والسياسية والأمنية… إزداد الضغط أيضاً على كل لبناني، الذي توتر وخاف على مستقبله ومستقبل أحبائه. وبدأت عوارض الإكتئاب تزداد عندما تفاقمت الأزمة. لذا بدأنا نرى في العيادات النفسية، عوارض شبيهة جداً لعوارض الإكتئاب وهي:

– فقدان الطاقة، حيث ان الفرد لا يشعر بالنشاط لاستكمال يومه. وفقدان الطاقة يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في النوم والتركيز، وهي أساسية للإنتاج العملي والفكري.

– حزن وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كان يقوم بها المريض.

– التفكير بالموت والانتحار. في بعض الأحيان هذا التفكير يكون بطريقة هوسية ومتكرّرة. ويمكن أن يُقدم الشخص على الإنتحار.

… والحل؟

لا حلّ للإكتئاب والقلق ولخوف اللبناني على مستقبله ومستقبل أولاده، إلّا من خلال نموذج واضح لسياسة شفافة بعيدة من الخدمة الخاصة. فبرأيي كأخصائي نفسي ومعالج، والاهم شاهدٌ على كل ما يحصل في لبنان، كلنا بحاجة للراحة النفسية وتقديم الواجبات تجاه دولتنا. وبالتالي ننتظر، كمواطنين، أن تقدّم لنا الدولة حاجياتنا. ولكن للأسف، وصلنا الى زمن لا نحصل فيه على حقوقنا… لذا، الحلّ الوحيد في لبنان هو تحرك الدولة تجاه المواطن لكي يثق بها مجدداً. ففي علم النفس، تحديداً في علم النفس الأُسري، عندما يخسر أحد أفراد العائلة ثقته بأهله، يكون قد خسر معنى الحياة، وبالتالي لن يثق بوالديه مرة أخرى، إلّا من بعد إثباتات عدة تؤكّد حرص العائلة عليه.

وهذا هو الحل في لبنان.

بكلمات ثلاث، يمكن للسياسة أن تخلّص اللبنانيين، جميعهم دون إستثناء وهي: الشفافية، الإنتماء والخدمة العامة.