ليس معلومًا كثيرًا بَعْد في أي مرصد سياسي تقف الأطراف التي لا تزال ترى أن المبادرة الفرنسية لم تمُت، وأنها مستمرة وكأن شيئًا لم يحصل على صعيد إفشال مساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
فصحيح أن لا شيء يؤكّد أن فرنسا تخلّت عن لبنان، إلا أن استسهال التعاطي مع دولة بحجمها، وكأنها تخضع لـ “مَوْنة” فلان أو فلان ليس منطقيًا، خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أن تشكيل الحكومة الجديدة بحسب مبادرة باريس يجب أن يتمّ بالإصلاحات، وليس بشيء غيرها، فيما أفرقاء عدّة في الداخل “يُبلعِطون” في تلك المساحة، تارة بخلفيات طائفية ومذهبية، وضرورات الوحدة الوطنية والأصول التقليدية المُتّبعَة في لبنان، وطوراً بمحاولة استغلال إتّفاق الإطار حول ترسيم الحدود الجنوبية مع إسرائيل بمفاوضات غير مباشرة، وبوساطة أميركية ومساعٍ دولية. وهنا الجانب الأخطر.
شراء؟
فالبعض ربما يتّجه الى شراء الفرنسيين والأميركيين وغيرهم، عبر بَيْع الإصلاحات بمفاوضات الترسيم الحدودي جنوباً، على طريقة أن لا تطلبوا أكثر من ذلك، متناسياً هذا البعض نفسه أن لا شيء سيكون مفيداً للبنان على الصُّعُد المالية والإقتصادية تحديداً، بموازاة الترسيم، سوى الإصلاحات ثم الإصلاحات ثم الإصلاحات.
المبادرة الفرنسية
أكد مصدر مُواكِب لمسار تعثُّر المبادرة الفرنسية “أنها لا تزال قائمة، وذلك من ضمن تفاهمات دولية مع الفرنسيّين لم تدخل تعديلات جديدة عليها حتى الساعة”.
وأشار في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” الى أن “لا إشارات واضحة حول وجود مسار فرنسي أو دولي جديد يتعلّق بلبنان. وما على الجميع إلا الإلتزام بالمبادرة الفرنسية نفسها حتى لا نضيّع الفرصة بالفعل”.
2000
وحول إمكانيّة قيام بعض الأطراف بمحاولة بَيْع الإصلاحات بواسطة الترسيم الحدودي، أجاب المصدر:”هذا الإحتمال وارد، وهو ما سيضع الرئيس سعد الحريري في دائرة ضغط كبير في ما لو تمّ تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، خصوصاً أن تعقيدات مرحلة ما قبل الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000 تعود الى الواجهة كما يبدو”.
وأوضح:”حاول السوريون عرقلة الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في ذلك الوقت، وتلويح الرئيس السوري بشار الأسد أمس بورقة الجولان للتفاوُض مع إسرائيل يأتي من ضمن مسار وضع العين على الحدود اللبنانية الجنوبية، وذلك رغم أن القرار في سوريا حول الجولان وغيره لن يكون له (الأسد)”.
وختم:”لا خيارات أخرى سوى محاولة الإستمرار بتشكيل حكومة من ضمن المبادرة الفرنسية، رغم أن لا شيء يؤكّد إذا ما كان سيتمّ بالفعل تكليف الحريري أو سواه بتشكيلها، بعد الإستشارات في 15 الجاري. حتى إن تعثّر التشكيل بعد التكليف، سيجعل الحريري أو أي رئيس مكلّف آخر أمام الخيار الذي اتّخذه مصطفى أديب (الرئيس المكلّف سابقاً)، وهو الإعتذار إذ إن الإنتظار لن يكون مُجدياً”.
مصدر سياسي
ومن جهته، اعتبر مصدر سياسي أن “الحريري بكلامه أمس قام بكشف حساب على طريقته، وهو لم يَكُن موفَّقاً في بعض الجوانب، لا سيّما على صعيد تبرير بعض التشنُّج أو التبايُن في وجهات النظر مع من كانوا حلفاء له، كما في التخفيف من وطأة التناقضات السياسية مع خصومه”.
وتمنّى في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” أن “يتخطى الجميع كل التشنّجات، مع التمسُّك بكلّ ما يجمع، تسهيلاً لتشكيل الحكومة”.
وختم:”الثنائية التي أسّسها الحريري مع الوزير السابق جبران باسيل هي التي سبّبت التباعد بينه وبين أطراف ما كان يُسمّى بفريق 14 آذار، وليس أي أمر آخر، وذلك حتى ولو حاول (الحريري) الهروب من هذه الحقيقة”.