شرّعت جريمة كفتون الإرهابية الباب واسعاً أمام الأجهزة العسكرية والأمنية، لا سيما مخابرات الجيش و”شعبة المعلومات”، لتتبّع الخلايا النائمة والتي تبيّن أنّها تنشط بعيداً في جرود الشمال، أعداداً وتدريباً واستقطاباً وتسليحاً بمختلف أنواع الأسلحة والمتفجّرات، بانتظار ساعة الصفر لتنفيذ أوسع عمليات إرهابية، بما يحوّل منطقة الشمال إمارة عصيّة على أجهزة الدولة.
وما يدفع إلى تبنّي العمل الإرهابي الواسع، أنّ هذه الخلايا والمجموعات استغلّت في عملية التحضير والتجهيز واستقطاب الأشخاص، إنشغال الأجهزة العسكرية والأمنية بتداعيات ثورة “17 تشرين”، بحيث تركّز جهد الأجهزة على منع انفلات الأمور الى توتّرات داخلية وفتن مُتنقّلة، الأمر الذي أعطى هامشاً للإرهابيين لتجميع صفوفهم وتنظيمها من جديد.
ويُستشفّ من سياق التحقيقات، أنّ ساعة الصفر لدى هذه المجموعات والخلايا هو الإنهيار التامّ في البلاد، لا سيما معيشياً، ودخول لبنان في فوضى نتيجة هذا الإنهيار، بحيث يبدأ الارهابيون عملهم في سياق متسقّ مع الغضب الشعبي، مما يصعّب على اي جهاز حصر حركتهم ونشاطهم. ولولا دماء شبان كفتون التي فضحت الخطط لكنا اليوم ما زلنا نقبع على براميل ارهابية تتحين الفرصة للانقضاض الميداني، ومُنطلقه الشمال.
استعدادات لاجراء عمليات ارهابية
واذا كان الأخطر في اعترافات الموقوفين أنّ حيّزاً مهمّاً من التدريبات التي تلقّوها في جرود الضنية هي على كيفية الذبح السريع وقطع الرأس، عبر استحضار طيور وحيوانات وتعليمهم على ذلك، فإن عرضاً لما حصل منذ جريمة كفتون الى وقتنا الحاضر، استناداً الى معلومات خاصة بـ”نداء الوطن”، يُبيّن خطورة ما كان يُحضّر له للبنان عموماً وللشمال خصوصاً، اذ يُظهر تسلسل الأحداث والملاحقات والتوقيفات والإعترافات الآتي:
مساء يوم 21 آب الماضي، الساعة العاشرة والنصف ليلاً، وقعت جريمة في بلدة كفتون، حين أطلق عدد من الأشخاص يستقلّون سيارة “هوندا” النار باتجاه ثلاثة عناصر من شرطة البلدية ما أدّى الى مقتلهم. ومن خلال متابعة مديرية المخابرات للجريمة، تبيّن أنّ السيارة تعود ملكيتها للمدعو خالد محمد التلّاوي الذي توارى عن الأنظار، لكنّ مديرية المخابرات تمكّنت من التوصّل الى تحديد هوية أحمد سمير الشامي، وهو أحد المتورّطين بالجريمة، الذي تبيّن أيضاً أنّه متوارٍ عن الأنظار. وبالتزامن، كانت “شعبة المعلومات” في قوى الأمن الداخلي تقوم بتحقيقاتها لكشف ملابسات الجريمة ودوافعها، واستطاعت تحديد هوية مُنفّذيها، وهم السوريان محمّد الحجّار ويوسف الخلف واللبنانيان أحمد الشامي وعمر بريص، وتبين أنّ الشامي وبريص يشكّلان جزءاً من خلية كبيرة تعمل لمصلحة تنظيم “داعش” الإرهابي في لبنان.
وبعد رصد ومتابعة، استطاعت “شعبة المعلومات” تحديد هوية أفراد الخلية وعددهم 18 إرهابياً من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية، وتبيّن لها أنّه يوجد بحقّ 13 منهم أسبقيات بجرائم انتماء الى تنظيمات إرهابية، وسبق أن أوقفوا بهذه التهمة.
اعترافات بالانتماء لخلية “داعشية”
وفي اليوم التالي لجريمة كفتون 22 آب، أوقفت مديرية المخابرات شخصين قريبين من المدعو خالد التلّاوي وأحمد الشامي بهدف الوصول الى مكان تواريهما، وهما اللبنانيان (م.ش) و(م.م)، واعترفا بانتمائهما الى خلية الإرهابي التلاوي التابعة لـ”داعش”، ومتابعة إصدارات التنظيم المذكور عبر وسائل التواصل الإجتماعي، ودورات عسكرية وتنفيذ رمايات في جرود الضنية، وتأمين أسلحة فردية والبقاء على استعداد للقيام بأعمال أمنية وسرقة لتمويل الخلية.
ويوم 23 آب، أوقفت “شعبة المعلومات” أحد أعضاء الخلية الفلسطيني (أ. ش). وفي 24 آب، داهمت الشعبة موقع الشقّة التي كانت المجموعة تتّخذها مكانا آمناً لها في بلدة البيرة قضاء عكّار، وعثرت بداخلها على مواد وصواعق تُستعمل في تصنيع العبوات والأحزمة الناسفة. وفي 26 آب، أوقفت أحد أعضاء الخلية الطبيب اللبناني (أ.أ)، ويوم 27، أوقفت عضواً ثالثاً من الخلية وهو اللبناني (ع.أ). وبالتحقيق مع الموقوفين الثلاثة، اعترفوا بأنّهم ينتمون الى خلية تابعة لـ”داعش” في لبنان وبايعوا التنظيم بناء على طلب من أميرهم السوري محمّد الحجّار، وحضّروا عبوات وأحزمة ناسفة، إضافة الى شراء أسلحة خفيفة ومتوسطة وذخائر وقنابل يدوية بهدف التحضير لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف بعض المناطق اللبنانية إضافة الى الجيش والأجهزة الأمنية والمخبرين العاملين لصالحهم.
واعترف الفلسطيني (أ.ش) بأنّ أميرهم نفّذ عمليات سلب لتغطية مصاريف الخلية، وبأنّه علم بأنّ توجّههم الى كفتون كان لهذه الغاية، علماً انّه ساعدهم في حينه على إزالة لوحات السيارة قبل التوجّه الى كفتون. وتبيّن أنّ الموقوف (أ.أ) نقل أعضاء المجموعة الى منطقة وادي خالد بعد جريمة كفتون بناء لطلب أميره محمّد الحجّار. واعترف الموقوف (ع.أ)، وهو مهندس ميكانيك بأنه بايع تنظيم “داعش” وساعد في تصنيع الأحزمة الناسفة.
ويوم 28 آب، نفّذت “شعبة المعلومات” مداهمات في محلة حنيدر– وادي خالد، شملت 3 منازل ومنشرة عائدة لأربعة من أعضاء الخلية من دون العثور عليهم، في حين تمّت مصادرة كمّية من الأسلحة الحربية والذخائر وألغام أرضية ومواد تُستعمل في صناعة المتفجّرات. وبنتيجة الإستجوابات، إعترف الموقوف (م.ش) بانتمائه الى خلية داعشية يترأسّها الإرهابي خالد التلّاوي المرتبط بأحد أمراء التنظيم. ويوم 31 آب، تمّ توقيف 4 من أفرادها وهم: (ع.ا)، (ط.أ)، (م.ص) و(ع.غ)، الذين اعترفوا بتأييدهم لـ”داعش” ومتابعتهم دورات عسكرية وتنفيذهم رمايات بالأسلحة الحربية، وذلك بعد شرائهم أسلحة وتنفيذهم عمليات سرقة لتمويل نشاطاتهم.
واعتباراً من 3 ايلول ولغاية 13 منه، وفي متابعة للقضية لا سيّما تحديد مكان تواري الإرهابيين التلّاوي والشامي، حدّدت مديرية المخابرات مجموعة لوجستية ساعدت الإرهابيين المذكورين في الإستحصال على أسلحة حربية وتأمين مأوى لهما وتسهيل انتقالهما من منطقة الى أخرى وهم اللبنانيون: (م.ص)، (و.أ)، (م.ط)، (ف.ج)، (ح.ع.أ) و(ح.ف.أ)، والذين اعترفوا بأنّ الإرهابي التلّاوي لجأ الى منزل (و.أ) وطلب منه ومن (م.ص) تأمين مأوى له، وقام (م.ط) بمساعدة التلاوي في تغيير مظهره الخارجي ونقله الى منطقة الكواشرة، ولجأ التلاوي والشامي الى منزل (ف.ج) في بخعون الذي ساعدهما في تأمين اتصال بـ (و.أ) وقام بايوائهما لمدة ليلة ومن ثم نقلهما الى طرابلس، ولجأ التلّاوي والشامي الى المدعوين (ح.ف.أ) و(ح.ع.أ)، فأمّن الأول لهما ملابس وباتا ليلتهما في دكانه، وأمّن الثاني لهما رمّانات يدوية وذخائر، ونقلهما الى منزل المدعو عبد الرزاق الرزّ الذي ابلغه لاحقاً انهما غادرا الى بخعون يوم 31 آب.
مقتل رأس المجموعة
ويوم 13 ايلول، وبناء على اعترافات المجموعة اللوجستية، قامت مديرية المخابرات بتوقيف عبد الرزاق وليد الرزّ. واثناء قيامها بمداهمة شقته الكائنة في محلة البداوي، تعرّضت الدورية لاطلاق نار والقاء رمانات يدوية من قبل الإرهابيين التلّاوي والشامي اللذين كانا مختبئين داخل الشقة، ممّا أدّى الى استشهاد 4 عسكريين وفرار الإرهابيين والموقوف الرز. ويوم 14 ايلول، تمكّنت مديرية المخابرات، بعد بحث ومطاردة، من العثور على الإرهابي التلّاوي وقتله بعد قيامه بإطلاق النار على أحد العسكريين. ويوم 15 ايلول، تمكّنت المديرية من إعادة توقيف الإرهابي الرزّ. ويوم 25 ايلول، وبعد عملية رصد دقيقة، تمكّنت المديرية من توقيف الإرهابي الفار الشامي الذي كان متوارياً عن الأنظار في بلدة كفرشلان.
ويوم 26 ايلول، أوقفت شعبة المعلومات اللبناني (م.خ.أ) والسوري (م.أ) في منطقة وادي خالد اللذين كانا يقومان بتأمين الدعم اللوجستي لأعضاء المجموعة في المنزل الذي يتحصّنون بداخله في محلة الفرض. وبعد ظهر اليوم نفسه، نفّذت القوة الضاربة في شعبة المعلومات عملية نوعية تمّ بنتيجتها تصفية كافة أفراد المجموعة المتواجدة في المنزل، وعددهم تسعة أشخاص.
وبنتيجة التحقيقات مع الموقوف أحمد الشامي، إعترف بأنّه انتمى الى مجموعة تابعة لـ”داعش” يترأسها السوري محمّد الحجّار وبايعه، وشارك مع الخلية في أعمال السرقة بهدف تمويل نشاطاتها، وذلك من أجل مخطّطاتها القاضية بتنفيذ أعمال أمنية داخل الأراضي اللبنانية لدى تدهور الوضع في الداخل اللبناني، وأنّه بطلب من أمير المجموعة، أمّن مواد لصناعة الأحزمة الناسفة وشارك في تصنيعها، وجنّد خالد التلّاوي الذي انضمّ الى الخلية وأنشأ بدوره خلية داعشية في جبل البداوي، وشارك مع السوريين محمّد الحجّار ويوسف خلف والمدعو عمر بريص في جريمة كفتون التي كان الهدف منها سرقة متفجّرات من إحدى الكسّارات في البلدة حيث كان يعمل سابقاً السوري الخلف، وأنّ من أقدم على قتل الشبّان الثلاثة في كفتون هما السوريان الحجّار والخلف، وانه يوم 23 آب نقلهم (ح.ح) من أميون الى جبل البداوي حيث التقوا بالطبيب (أ. أ) الذي نقلهم الى وادي خالد ولجأوا الى الحجّار ومجموعته. كما اعترف أنّه اثناء مداهمة شقة الرزّ، أقدم على الإستيلاء على بندقية أميرية لأحد العناصر وأطلق منها النار باتّجاه آخر ممّا أدّى الى مقتله وعمد الى رمي رمانة يدوية لتأمين فراره مع التلّاوي والرزّ، واعترف بأنّ لقبه ضمن الخلية الداعشية “سليمان” ويعرف 15 عنصراً من أفرادها، تبيّن أنّ 11 قتلوا و3 موقوفين وواحد مجهول المصير.
وبحسب المعلومات، فإنّ الأمور تتابع عن كثب وبتنسيق دائم بين الأجهزة العسكرية والأمنية، وتحديداً بين مديرية المخابرات وشعبة المعلومات، والتوقيفات مستمرة. ويوماً بعد آخر يتبيّن حجم الخطر الكبير جداً الذي تشكّله هذه الخلية الإرهابية العنقودية، والتنسيق بين مؤسسات الدولة الأمنية، لا سيّما عبر الأمن الاستباقي، من شأنه أن يحقّق إنجازات كبيرة ومهمّة تحمي لبنان من الأخطار.