لم يعد أمام أهالي منطقة بعلبك- الهرمل سوى الدعاء لله طلباً للأمان بعدما استُبيحت منطقتهم بأمنها واستقرارها في الايام الاخيرة نتيجة المظاهر المسلّحة إثر حادثة الثأر وانتشار السلاح بين عشيرتي آل جعفر وآل شمص وسط غياب الموقف الرسمي مما جرى وإكتفاء الدولة بإرسال فوجي المغاوير والمجوقل في الجيش اللبناني الى هناك، وتحديداً في محلة الشراونة، وتوقيفه العشرات ومصادرة اسلحتهم، علما ان دورية للجيش تعرضت بعد ظهر امس لاطلاق نار في بلدة مقنة اثناء مداهمة لتوقيف مطلوب.
وعلى اهمية خطوة الجيش بتعزيز إنتشاره في المنطقة وقابلتها مساع عن إطلاق مبادرة من عائلات وعشائر بعلبك الهرمل، برعاية كل من “حزب الله” وحركة “أمل”، تقوم على الاحتكام للشرع والأعراف العشائرية وعلى ضوء المباحثات الجارية تبنى الأمور، غير ان الواقع المرير لمنطقة اصبحت مضرب مثل في الفلتان الأمني وارتفاع منسوب التعديات ومستوى الجريمة كمّاً ونوعاً، يؤكد ان المنطقة بحاجة الى عملية جراحية لإستئصال ورمها الخبيث لا الاكتفاء بالمهدّئات كمثل الانتشار العسكري والاجتماعات الظرفية التي لم تُعط نتائج عملية.
ومع ان العراضات المسلّحة ولغة التهديد والوعيد بين العشائر البعلبكية ليست مُفاجئة، اذ انها تتصدّر المشهد البعلبكي بين الحين والاخر، غير ان “اللافت” في مشاهد “الهَيبة” الاخيرة بين آل جعفر وآل شمص حجم السلاح المستخدم في معركة الثأر والموزّع بين الخفيف كالرشاشات والمتوسط كقنابل الـB7 والثقيل كصواريخ “فجر” التي ظهرت عند آل جعفر، ما يطرح علامات استفهام عديدة تبدأ بثمن هذه الاسلحة في وقت ان هؤلاء يشكون دائماً من الحرمان وغياب الدولة الراعية لابنائها ولا تنتهي بكيفية تأمينها وشرائها على مرأى ومسمع من اجهزة الدولة التي تملك وحدها صلاحية استخدام القوّة وتخزين السلاح من دون اي خوف من ملاحقة او مداهمة للقوى المعنية والمكلّفة بفرض الأمن.
على اي حال، ومع ان الاجابة على هذه التساؤلات يعرفها كل لبناني من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، وضعت اوساط سياسية مراقبة عبر “المركزية” ما جرى بين آل شمص وآل جعفر في سياق حال الفلتان الامني وتمرّد العشائر على فائض القوّة بعدما تبين ان حزب الله يتحاشى الدخول في ملف العشائر كي لا يُحدث شرخاً في البيئة الشيعية هو بغنى عنه، خصوصاً اليوم، حيث التململ والغضب على سياسته وتحميله مسؤولية ما وصل اليه البلد من تدهور اقتصادي ومعيشي، وبالتالي هو يتجنّب الحضور وتأليب عشيرة على اخرى مكتفياً بمساعي التهدئة وتبريد الاجواء عبر الوسطاء والفاعليات الرسمية والدينية في المنطقة”.
وما دام الحزب حريصا على الاستقرار والامن في منطقة بعلبك-الهرمل وعدم تقاتل “ابناء جلده” مع بعضهم البعض ما يُشكّل خاصرة رخوة في جسد الثنائي الشيعي الذي يتباهى بوحدة قراره، سألت الاوساط “لماذا لا يبادر الحزب الى مساعدة الدولة على بسط سلطتها في منطقة بعلبك-الهرمل فيُبعد بذلك كأس التشرذم والتقاتل عن بيئته في وقت هو احوج ما يكون الى رصّ الصفوف والوحدة الشيعية من اجل مواجهة الضغوط المحلية والخارجية التي يتعرّض لها؟ ولماذا لا يرفع الغطاء فعلاً لا قولاً عن العابثين بأمن المنطقة فتُصبح عملية توقيفهم من قبل الاجهزة الرسمية كـ”شربة الميّ”، لانهم يستمدّون من وهج السلاح ونفوذ الحزب السياسي والعسكري قوتهم ليتسلبطوا على القوانين”؟
واضافت “ماذا كان حصل لو ان ما جرى في بعلبك تم في منطقة اخرى، طبعاً بإستثناء الجنوب؟ اما كانت استنفرت الدولة بكل اجهزتها ومؤسساتها لقمع المخالفين وتوقيفهم وهو ما غاب عن المشهد العشائري في بعلبك-الهرمل؟
وذكّرت الاوساط في الاطار “بالطريقة الخشنة التي تعاملت بها الاجهزة الامنية مع الثوّار عندما كانوا يقطعون الطريق احتجاجاً على الوضع المعيشي والحالة الاقتصادية، وكيف يُجلب اعلاميون وشباب امام القضاء بتهم مرتبطة بموقف او صورة او انتقاد تعبيراً عن حال غضب على الاوضاع المُزرية التي نعيشها”.
وختمت “كل هذا الاستنفار الامني والعسكري لم نشاهده في بعلبك وغيرها من المناطق او في عين قانا عندما إنفجر مخزن سلاح، وهذا يترك حالا رفضية للتمييز القائم بين مواطن عادي واخر “سوبر” لان هنالك فائض قوة يحتمي به. فهل ستتعامل الحكومة الموعودة مع جميع المواطنين بالتساوي امام القانون ام ان هناك ابن ست وابن جارية”؟ واستتباعا، هل ما زال احد في هذه الدولة يتذكر ان ثمة قرارا دوليا تحت الرقم 1559 يقضي بجمع كل سلاح خارج الشرعية، يمكن ان يشكل تطبيقه حلا للتسيب والفلتان الامني؟