تستعدّ بيروت لأسبوعٍ تَفاوُضي على مَساريْن، داخلي يرتبط بأزمة تشكيل الحكومة الجديدة تحت راية المبادرة الفرنسية وأنظارِ المجتمع الدولي، ولبناني – إسرائيلي على طاولة الترسيم البحري تحت علم الأمم المتحدة وعيون واشنطن.
وفي حين سيشكّل انطلاقُ مفاوضاتِ الترسيم في مقرّ «اليونيفيل» في الناقورة الأربعاء المقبل اختباراً مزدوجاً، لنياتِ الجانب الاسرائيلي الساعي إلى تسجيل نقاطٍ تبدأ من شكل التفاوض غير المباشر عبر محاولة جرّ لبنان إلى «تماسٍ سياسي» وأيضاً لمنطلقاته (نقطة الانطلاق البرية وهل خط الوسيط الأميركي السابق فريديريك هوف لتقسيم المنطقة المتنازع عليها سيعاد تعويمه أم لا)، فإن الملف الحكومي يقف بدوره أمام أيامٍ فاصلةٍ من محاولةِ ترسيم طبيعة الحكومة العتيدة وحدود مهماتها وتوازناتها وآليات تسمية وزرائها، ليتحدّد في ضوئها مسار الاستشارات النيابية المُلزمة التي دعا إليها لرئيس ميشال عون، لتكليف رئيسٍ للحكومة.
وتَقاسَم هذان العنوان، الكواليسَ السياسيةَ فيما كانت العدساتُ الإعلامية مشدودةً إلى حوادث مُفْجِعة سرقتْ الضوء حتى من الخطر الزاحف الذي يشكّله «كورونا» وإصاباتُه الآخذة في التمدّد المخيف… من الانفجار الكبير في محلة الطريق الجديدة – بيروت ليل الجمعة والذي نجم عن عملية تلحيم خزان وقود في مستودع بأسفل مبنى سكني ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص وجرْح 59 آخَرين وأضرار كبيرة في الممتلكات والسيارات… وصولاً إلى انفجارٍ وقع صباح أمس في منطقة الأشرفية وأسفر عن مصرع شخص رُجّح أنه لص كان يقوم بسرقة أسلاك نحاسية وقصّها بواسطة منشار داخل مطعم مقفل ما تسبّب بانفجار قارورة غاز… مروراً بـ«زنار النار» الذي لفّ مناطق عدة في الجنوب والشمال والجبل مع «طوفان حرائق» أيقظتْ كابوس تشرين الأول 2019 الذي انطبع بشعار «لبنان يحترق».
وفي حين تتشابكُ يومياتُ المآسي المتنقلة مع البؤس الذي يتوسّع على امتداد لبنان في ظلّ الانهيار المالي – الاقتصادي الذي يقف على مشارف مراحل أكثر دراماتيكية تُمْليها ضرورةُ تقنين استخدام «بقايا» الدولارات التي ما زال بإمكان مصرف لبنان التصرّف بها لزوم تمويل استيراد السلع الاستراتيجية، فإن مجمل هذه المشهدية المفتوحة على «السيناريوهات الأسوأ»، باتت تسابق أزمةَ تأليف حكومةٍ صارتْ بمثابة الممرّ الإلزامي للحصول على أي دعْم مالي يوقف السقوط المُتَسارِع.
ومن هنا تكتسب الأيامُ الأربعةُ المقبلة أهمية كبيرة لجهة تحديد وُجْهَةِ المأزق الحكومي انطلاقاً من مشاورات التكليف التي باغَتَها زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري بإعلان «أنا مرشّح» وفق دفتر شروط يرتكز على «روح» المبادرة الفرنسية لجهة تشكيل حكومة من اختصاصيين مستقلين لا تسميّهم القوى السياسية، وهي المواصفاتُ التي استند إليها تكليف السفير مصطفى أديب وقابَلها الثنائي الشيعي «حزب الله» والرئيس نبيه بري بممانعةٍ أفضتْ إلى اعتذاره وتجديد باريس «الفرصة الأخيرة» التي حدّدت لها مهلة 6 أسابيع كحدّ أقصى (بقي منها 4).
وراوحت التقديرات السبت حيال محطة الخميس المقبل بين حدّيْن: الأول إمكان حصول تكليف للحريري من دون أي تفاهُم على التأليف الذي يبقى معلَّقاً لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. والثاني إرجاء الاستشارات النيابية بحال رَفَضَ زعيم «المستقبل» حمْلَ «كرة النار» قبل الحصول على أجوبة – ضمانات حيال التزام الأفرقاء وتحديداً الائتلاف الحاكم بمضمون الورقة الفرنسية وإصلاحاتها وركائز الاتفاق المطلوب مع صندوق النقد الدولي وبعدم استنساخ تجربة حكومة حسان دياب المستقيلة، وأيضاً بحال لم يجد فريق السلطة مصلحةً في الذهاب إلى تكليفٍ بقوة غالبيته البرلمانية سيستجرّ حكومةَ لونِ واحدٍ جديدة لا يريدها أقله في هذه المرحلة.
وإذ اعتبرت أوساط سياسية أن من الصعوبة بمكان تَصَوُّر أن يقبل الحريري بتكليفٍ «مفخّخٍ» مسبقاً بالشروط نفسها التي أطاحت بالنسخة الأولى من المبادرة الفرنسية، لاحظتْ أن فريق 8 اذار تَعَمَّد في الساعاتِ الفاصلة عن إطلاق زعيم «المستقبل» مشاورات «كشف النيات» السابقة لاستحقاق الخميس توجيهَ إشاراتٍ صريحة بأن حكومةً لا يسمي الثنائي الشيعي وزراءه فيها (ويحصل فيها على حقيبة المال) ولا تعبّر عن الكتل النيابية لن تمرّ أياً كان رئيسها، وبأن وجود الحريري على رأس الحكومة الجديدة يستوجب خلْط أوراق في طبيعة الحكومة ومعايير تأليفها.
وجاء لافتاً ما نُقل عن مصادر الثنائي الشيعي من أنهما يريدان أن يكونا شريكين في تأليف الحكومة من خلال تسمية وزرائهما، مشدّدة على أنّ «تسمية وزرائنا قَدَر متيقّن»، فيما كان «التيار الوطني الحر» برئاسة جبران باسيل يطلق موقفاً لا يقلّ دلالةً غمز فيه من قناة الحريري مؤكداً «أن الأولوية لتشكيل حكومة إصلاحية منتجة وفاعلة برئيسها ووزرائها وبرنامجها»، وأن «كل كلام آخَر هو خروج عن المبادرة الفرنسية ويتحمّل صاحبه مسؤولية إضاعة المبادرة وتضييع الفرصة بحثاً عن حلول أخرى من الواضح أنها غير ناضجة وليست سوى تكرار لسنة كاملة من المواقف تحت عنوان «أنا أو لا أحد، وأنا ولا أحد».
وعلى وقع مناخاتٍ تشي بحساسيات داخلية بدأت تخرج إلى العلن على خلفية مفاوضات الترسيم البحري مع اسرائيل وما تردّد عن سعي لإدخال تعديلات على الوفد اللبناني العسكري – التقني بضمّ شخصية ديبلوماسية تمثل وزارة الخارجية، أعطى قائد الجيش العماد جوزف عون الوفد، «التوجيهات الاساسية لانطلاق عملية التفاوض بهدف ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً والممتد بحراً تبعاً لتقنية خط الوسط دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، استناداً الى دراسة أعدتها قيادة الجيش وفقا للقوانين الدولية»، بحسب بيان صدر السبت.