انطلقت رسميا اليوم عجلات الرئيس سعد الحريري على طريق جس نبض القوى السياسية من المبادرة الحكومية التي طرحها مساء الخميس الماضي. هو باشر اتصالاته من قصر بعبدا قبل ظهر اليوم ويستكملها في عين التينة مساء، على ان يوفد فريقا يمثّله الى الاحزاب والكتل النيابية للتشاور معها. بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، فإن المحادثات التي سيجريها زعيم التيار الازرق بين اليوم والخميس المقبل، موعد استشارات التكليف، ستكون مفصليّة في تحديد مصير “ترشيح الحريري”، وحتى الساعة، من الصعب التكهن في نتائجها… الرجل يؤكد انه يتمسك بحكومة اختصاصيين مستقلين، ويبدو حاسما في موقفه هذا. وقد أعلن بوضوح من بعبدا اليوم بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان “المبادرة الفرنسية هي الفرصة الاخيرة، وتقوم على تشكيل حكومة اختصاصيين لا ينتمون للأحزاب، تقوم بإصلاحات محددة بجدول زمني محدد، لا يتعدى أشهرا معدودة، وهنا من المهم أن نكرر، أن عدم وجود أحزاب بالحكومة هو لأشهر معدودة فقط، أي أننا كأحزاب لن نموت، ولتنفيذ اصلاحات اقتصادية مالية وادارية فقط لا غير. والجميع يعرفون السبب، وهو أن جميع الحكومات التي شُكلت على الاسس التقليدية لتمثيل الاحزاب، فشلت بالإصلاحات، وأوصلتنا وأوصلت البلد للانهيار الكبير الذي نعيشه اليوم”.
في المقابل، “الثنائي الشيعي” يصر وفق مصادره، على تسمية وزرائه في الحكومة وعلى عدم تجاوز نتائج الانتخابات النيابية، ويطرح تقديم لائحة بالاسماء لرئيس الحكومة، على ان يختار من يريده منها. اما التيار الوطني الحر، فيقال انه يريد حكومة اختصاصيين من رأسها الى اعضائها، فاذا لم تكن الحال كذلك، فإنه سيطالب ايضا باختيار ممثليه.
واذ تشير الى ان الضبابية التي تحوط موقف حزب الله وحركة امل ستتبدد مساء بلقاء الرئيس نبيه بري الرئيس الحريري، تماما كما سيتظهر موقف “البرتقالي” بشكل اوضح في كلمة يلقيها رئيسه النائب جبران باسيل غدا، تقول المصادر إن إصرار كل طرف على وجهة نظره سيقود حتما الى إفشال الاستشارات وسيدفع الحريري الى اطفاء محركاته و”حرق” مبادرته. لكن هل يمكن رئيس المستقبل ان يكون قرر الخوض في مغامرة سياسية كهذه، من دون ان تكون توافرت له مؤشرات او معطيات او ضمانات تطمئنه الى أنها لن تنتهي كما انتهى مشوار مصطفى أديب؟
وفق المصادر، لا خرق الا بتنازل أحد اللاعبَين. قد يكون الثنائي الشيعي سيرضى بالتنحي لـ6 أشهر وبالاكتفاء بوزير شيعي في المالية يتفق على اسمه مع الحريري، وذلك نتيجة تفاهم فرنسي – ايراني. في المقابل، قد يكون الحريري في صدد القبول بحكومة اختصاصيين مع انفتاحه على التفاهم مع القوى السياسية الاخرى على اختيار وزير يمثّلها في الحكومة، بما يخفف من اعتراضها على كون الحريري “سياسيا” بينما هم محرومون من التمثيل في مجلس الوزراء. هنا، سنكون امام نسخة منمّقة لحكومة حسان دياب، تتابع المصادر، وذهاب الحريري نحو هذا النموذج – الذي، وللامانة، يعلن انه يرفضه – يفترض ان يقترن بضوء اخضر مسبق يكون انتزعه من العرب والخليجيين والاميركيين والاوروبيين، فلا يتعاطون مع حكومته العتيدة مثلما تعاطوا مع حكومة سلفه.
الصورة بسيطة ومعقّدة في آن، تتابع المصادر، فاذا لم يتراجع اي طرف للآخر، واذا لم يكن الحريري عزز سلفا هيكل مبادرته وأسسها، قبل اطلاقها، فإننا سنكون امام حرق مكلف اضافي لوقت اللبنانيين وأعصابهم، وسيتأكد اكثر فأكثر ان لبنان الغارق بأزماته، سيبقى معلقا على الصليب، الى حين يقرر اللاعبون الاقليميون إنزاله، وذلك بعد الاستحقاقات الدولية الكبرى واهمها الانتخابات الاميركية.. وربما سواها…