Site icon IMLebanon

هل يتحمّل لبنان ملاقاة مبادرة الحريري بـ “خليك بالبيت”؟

اليوم يبدأ رسمياً كشْف الأوراق في الأزمة الحكومية مع بدء “المرشح الطبيعي” لرئاسة الوزراء زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري مشاورات “جس نيات” القوى السياسية حيال الطرح الذي قدّمه بأن يقود “حكومة المَهمة” وفق مندرجات المبادرة الفرنسية ومبادئها القائمة على تشكيلة من اختصاصيين مستقلين لا تسميهم الأحزاب وتتولى خلال مرحلة انتقالية من 6 أشهر جرَّ عربة الإصلاحات ووقف مسار “الهبوطِ الى الجحيم” عبر اتفاق على حزمة إنقاذ مع صندوق النقد الدولي.

 

وينطلق الحريري في المشاورات التي تَعَهَّدَ القيام بها ليحدّد في ضوء ما سيستخلصه منها إذا كان سيَمْضي في طرْح اسمه لرئاسة الحكومة في الاستشارات النيابية المُلْزمة التي حُدِّد موعدها يوم الخميس، من محطتيْن معلنتين اليوم مع كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري، في موازاة اتصالات بعيدة من الأضواء مع أطراف سياسية وأيضاً مع رؤساء الحكومة السابقين (نجيب ميقاتي، تمام سلام وفؤاد السنيورة) الذين باغَتَهم بترشيح نفسه.

 

وعشية الأيام الحاسمة في الملف الحكومي، بدا أن الحريري يتسلّح في “مغامرة” الانخراط في محاولة الإنقاذ على حمّالة المبادرة الفرنسية بثلاثة أوراق قوة: الأولى أنه الأقوى في المكوّن الذي يمثّله في التوازنات اللبنانية وأن “طبيعته” السياسية – الحزبية تُوازي في النظام وتتساوى مع ما يعبّر عنه “بالتمام والكمال” كل من رئيسيْ الجمهورية والبرلمان الحالييْن.

 

 

والثانية أنه يرتكز في مبادرته على المسعى الفرنسي وجوهره، والذي يبدو بمثابة “الفرصة الأخيرة” للبنان لإيجاد “منطقة آمِنة” تقيه الشرّ المستطير جراء أخْذه حتى “آخِر رَمَقٍ” رهينةَ الصراع الاقليمي الكبير وتجنيبه فواجع بدأت تطلّ برأسها مالياً واقتصادياً واجتماعياً، وهو ما سيجعل مَن يُحْبِط المحاولة الثانية من مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون في مواجهة وجهاً لوجه مع باريس التي كانت حذّرتْ من “السيناريو الأسوأ” الذي يكمن للبنان بفعل ارتباط “حزب الله” بمَلاعب النار في الاقليم، ومحدّدة 6 أسابيع (مرّ منها أسبوعان) للطبقة السياسية اللبنانية للعودة إلى جادة المبادرة وتالياً إفلات البلاد من “الاحتراق الكامل”.

 

أما الورقة الثالثة التي يُمسِك بها الحريري فهي أنه توجّه إلى الائتلاف الحاكم على طريقة “أنا أو الخراب الآتي”، بالعقوبات الأميركية أو ربما بالحرب الأهلية التي يراهن عليها البعض، بما عَكَسَ أن زعيم “المستقبل” لن يكون في وارد تغطية أي اسم آخَر غيره لتولي مهمةٍ بغير الشروط التي حدّدها لحكومة اختصاصيين مستقلين لا تسميهم القوى السياسية و تلتزم بجدول الإصلاحات ومقتضيات اي اتفاق مع صندوق النقد (ضرائب وخصخصة وغيرها).

 

وفي هذا الإطار اعتبرتْ أوساطٌ مطلعة أن الحريري لا يمكنه أن يقبل بأقلّ مما اعتذر السفير مصطفى أديب بسببه قبل 16 يوماً حين اصطدم بإصرار الثنائي الشيعي على التمسك بحقيبة المال وتسمية وزرائه وأن تكون الحكومة معبّرةً عن الكتل النيابية أي أن تَجْري تسمية الوزراء بالتشاور معها والأهمّ مع رئيس الجمهورية، قبل أن يقترح زعيم “المستقبل” حينها “تجرُّع سم” التسليم ببقاء “المالية” مع المكوّن الشيعي (لمرة واحدة وأخيرة) ولكن على أن يسمي أديب الوزراء، وهو ما تم رفْضه.

 

في المقابل، جاءتْ أولى الإشارات من الثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحر” (حزب عون) غير مُشَجِّعة حيال استعداد الطرفين لمرونةٍ في شروطهما ولو أنهما اكدا التزام المبادرة الفرنسية، من دون أن يكون ممكناً الجزم بما إذا كانت هذه الإشارات هي في سياق رسْم السقف الأعلى للتفاوض وصولاً إلى “منطقة مشتركة” قابلة للتسويق فرنسياً ودولياً، أم تعبيراً عن تَصَلُّب “حاسم” وعلى طريقة الرسالة الضمنية للحريري “خلّيك بالبيت”، في ظل استبعادِ أن يقبل زعيم “المستقبل” بتكليفٍ بلا ضماناتٍ يتحمّل معه مسؤولية تغطية “تنويم” الأزمة الحكومية لِما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لترْك لبنان “معلَّقاً” على الاحتمالات التي سيرتّبها سواء عودة دونالد ترامب أو فوز جو بايدن.

 

وإذ كان موقف “حزب الله” – بري من طرْح الحريري انطوى على تكرار شرط تسمية الوزراء الشيعة ورفْض حكومة تشكّل انقلاباً على نتائج الانتخابات أو منْح زعيم “المستقبل” وكالة حصرية بالتأليف وكأن الحزب “استسلم” أمام العصا الأميركية و”قفازاتها” الفرنسية، بدا من الصعب أمس تَلَمُّس كل خلفيات تَراجُع إيران خطوةً إلى الوراء في العراق عبر إعلان كتائب حزب الله العراقية الموافقة على هدنة في الهجمات على القوات الأميركية، وذلك بعدما كان الإفراجُ عن مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل (تنطلق بعد غد) رُبط بحساباتٍ تتصل بطهران ورغبتها في مدّ “خط بارد” مع مرحلة ما بعد 3 نوفمبر الأميركية.

 

وفي حين استبعدت الأوساط المطلعة أن يرمي “حزب الله” أوراقه الحكومية كلها وفتْح الطريق أمام حكومةٍ بشروط الحريري، داعية إلى رصْد إذا كان التراجعان الإيرانيان في العراق وفي مفاوضات الترسيم البحري سيقابلان بمزيد من التشدد في الأزمة الحكومية من باب الإيحاء بمقايضاتٍ أو محاولة الاستحصال عليها، فإن موقف “التيار الحر” من مبادرة الحريري جاء ليؤشّر إلى صعوباتٍ حقيقية في الموافقة على طرْحه، وهو ما عبّر عنه ما نُقل عن قيادي في التيار ذكّر بأن ” المسيحيين لطالما احترموا خيار أهل السنّة الذين منحوا الحريري كتلة نيابية وازنة، فتعاطوا معه بما يمثّل من شرعية شعبية. لكنه ردّ بالمكابرة وبأنه يريد أن يترأس حكومة يكون هو السياسي الوحيد فيها ويضع الآخرين خارجها متجاهلاً نتائج إنتخابات 2018، ومطالباً بأن يمنحه النواب تفويضاً مطلقًا لتشكيل حكومة موظفين يتولّى بواسطتها الحكم تحت مسمّى الإختصاصيين.”

 

ودعا هذا القيادي (كما نقل عنه تلفزيون ال بي سي آي) الحريري الى “العودة الى جادة الصواب قبل موعد استشارات الخميس، بدل أن يتصرف وفريقه على أن عودته محسومة، وهي ليست كذلك”.

 

وفيما أعقب هذا المناخُ السلبي من “التيار الحر” جو آخَر أقلّ تشدداً في الشكل وفحواه أن “لبنان يستحق التضحيات ونحن اول من يضحي من أجل لبنان على ألا نكون وحدنا من يضحي”، فإن بقاء التيار على موقفه من الحريري وعدم تَنازُل الأخير في اتجاه حكومةٍ تكون نسخةً من تشكيلة الرئيس حسان دياب التي سرّعت بالانهيار المريع، سيعني أن زعيمَ “المستقبل” سيفتقد بحال مضى بترشيح نفسه (وسار الثنائي الشيعي بفصْل التكليف عن ضماناتِ التأليف) الغطاء المسيحي في تسميته في ظلّ توجه شبه نهائي من حزب “القوات اللبنانية” لعدم السير به، وهو المعطى الذي كان دفعه بعد استقالته في اكتوبر 2019 على وهج انتفاضة 17 أكتوبر لسحب ترشيحه.

 

وفي موازاة هذه القراءة، تسأل الأوساط المطلعة عن المخارج الممكنة للثنائي الشيعي تحديداً، هو الذي لا يحتمل حكومة بشروط الحريري والمبادرة الفرنسية “الأصلية” ولا يريد حكومة لون واحد، ما يجعل الأيام القليلة المقبلة حاسمة لجهة تحديد مآل الواقع اللبناني الذي يبقى “فريسة” السقوط المالي الكبير و”فريسة” كورونا الذي فرض الاقفال التام لـ 169 بلدة مع العودة لقفل الملاهي الليلية والحانات في كل لبنان في محاولة لإبطاء “العاصفة المروّعة” التي يرجّح أن تضرب البلاد مع حلول الشتاء.