Site icon IMLebanon

قريبة الأب شرفان: الجنرال عون طلب من أهالي المخطوفين تخفيف الـDOSE

كتب روي أبو زيد في “نداء الوطن”:

“كان لازم يكون عمرو 85 سنة. خطفو السوريين من ديره وما حدا من المسؤولين عنّا سأل عنو”، هكذا تخبر تريز عن عمها. وتضيف بغصّة: “لا أحتاج لأحد أن يخبرني عن أبونا شرفان، إذ عشت معه وعايشته خصوصاً في مرحلة طفولتي”.

وتردف: “حين وُلدت كان عمي ألبير يحصّل دراسته اللاهوتية في روما. عاد الى لبنان حين كنت في الثانية أو الثالثة من عمري”، مؤكدة: “قصتي معه لا تنتهي أبداً. أحببته كثيراً وكنا وإخوتي نرافقه في جوقات الكورال. كان عمي مسؤولاً عن جوقات ترانيم في المدارس الأنطونية كافة”.

وتقول تريز بصوت يتملّكه الشوق: “عمي ألبير إنسان وفنان مرهف، وجوده ساحر ويملك كاريزما. كان الناس يحبّونه بشكل كبير جداً وأثّر بكثيرين”، مضيفة أنه “جدّد تراث الأب بولس الأشقر الأنطوني الذي كان قد وضع كتاب المزامير، فأعاد توزيع موسيقى الترانيم مجدداً”.

وتلفت الى أن من أبرز ترانيمه التي نرتّلها اليوم في الطقس الماروني هي: “صخرتي هو وخلاصي”، “يا أمنا لمَ هذه الدموع”، “دخلت بيتك يا الله”، وغيرها.

وتسهب تريز بالحديث عن عمها قائلة: “الأب ألبير راهب عاش في المعهد الأنطوني في بعبدا وقد أسس فرق الكورال في الرهبانية، لذا كان يشارك في القداديس برعايا عدة في مناطق الحدت وبعبدا”.

ماذا حدث يوم السبت 13 تشرين الأول 1990؟

تقول تريز: “لم نعرف ماذا حدث في 13 تشرين الاول بسبب التعتيم الإعلامي”، مضيفة: “خطف السوريون عمي في 14 تشرين الأول من دير مار يوحنا القلعة في بيت مري”.

وتتابع: “دخل السوريون دير القلعة وهاجموا نقطة للجيش في بيت مري واستقرّوا فيها. كان عمي حينها قد عُيّن رئيساً للدير فوصل اليه في 12 تشرين الأول برفقة مساعد له الأب سليمان أبي خليل. لم يكن وارداً دخول سوريا الى منطقة دير القلعة أو المتن بشكل عام. لكن بعد استقرار الجيش السوري في نقطة كانت تحت سيطرة الجيش اللبناني، تمّ أسر العناصر بعد مغادرة الجنرال ميشال عون وعدم معرفتهم بذلك”. وتلفت تريز الى أنّ “يوم الأحد 14 تشرين الأول، كان الراهبان في ديرهما واحتاج السوريون آنذاك الى نبريش للمياه، لذلك قصدوا الدير طالبين من عمي غرضهم. فأرشدهم آنذاك الى منزل سائق أمين عام الرهبنة القريب من الدير لأنه يعرف مكان وضع الحاجيات الزراعية. رأى السائق عمي ألبير والأب سليمان واقفين وراء النافذة، فطلب منهما أن يزوراه لارتشاف فنجان من القهوة”. وتضيف تريز: “أشار عمي بيده وكأنه يحذّر السائق ويقول له: إذهب من هنا بسرعة”.

وتستدرك قائلة: “لذا كان الابوان على قيد الحياة يوم الأحد، وفي المساء عينه حضرت قوافل من الجيش السوري لأخذ جرحى الجيش اللبناني، وخطفت معهم الراهبين ألبير وسليمان والطبّاخة في الدير فيكتوريا دكاش”. وتضيف: “توجّه الجيش السوري الى عنجر، وفي قرنايل تعطّلت القافلة السورية، بسبب توقّف شاحنة عن العمل. وتملك الرهبنة الأنطونية ديراً في أرجاء البلدة. ومع توقّف القافلة، راح الناس يراقبون القافلة فلمحوا الأب ألبير، الذي كانوا يعرفونه بسبب نشاطاته في هذه المنطقة”.

وتتابع تريز: “اقتربوا منه وسألوه: ماذا تفعل هنا يا أبونا؟ فأجابهم: لا أعرف شيئاً”، مشيرة الى أنّ “الأبوين أمضيا ليلتهما في عنجر وانطلقا الإثنين الى سوريا حيث بدأت رحلة العذاب”.

كيف عرفتم أنهما موجودان في السجون السورية؟

تأخذ تريز نفساً عميقاً وتتابع: “زعم السوريون أنّ لا أحد من الرهبان موجود في سجونهم، ونكروا وجود رجال دين لديهم. لكننا كنا معتصمين منذ العام 2005 أمام مبنى الإسكوا مع أهالي المخطوفين”.

وتضيف: “كان يحضر بيننا بعض المعتقلين الذين خرجوا من السجون السورية فأخبرونا أنهم كانوا برفقة الآباء في سجن الحسكة”، وتتابع تريز: “قالوا لنا: “رأينا راهباً لبنانياً يجلس وحيداً ويأخذ كل يوم صباحاً رغيفاً من الخبز وكوباً من الماء ليقوم بذبيحة إلهية”. وأضافوا: “كان الاب ألبير يشدّد عزمنا ويمدّنا بالإيمان بعد العذاب الذي عشناه في تلك الأقبية”.

وتقول: “كانوا يصفونه بالوصف عينه: رجل متوسّط القامة، نحيل، يضع نظّارات فقدها في ما بعد…”.

وتلفت تريز الى أنّ “بعض الراهبات المرسلات الى السجون السورية أخبرننا أنهنّ رأينه في العام 2009 و2010، أي قبل بداية الحرب السورية في آذار 2011″، مردفة أنه “وصلتنا معلومات أنّ الاب سليمان قد توفي جرّاء أزمة قلبية حادة”.

وتختم تريز حديثها بغصّة قائلة: “يا عيب الشوم على هذه الدولة التي تركت جيشها الذي هو فخرها “يتدعوس” تحت الجزمات السورية! يا عيب الشوم على دولة لا تسأل عن مواطنيها!”.

وتضيف بخيبة: “قبيل انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، وردتنا أخبار الى “الإسكوا” حيث طلب منا الجنرال أن “نخفّف الـDOSE، ما بدنا نزعّل السوريين!” لأنّه كان معوّلاً على الرئاسة.

شرفان: الرهبنة الأنطونية لم تتابع الموضوع كما يجب

يشير المحامي شربل شرفان، ابن شقيقة الأب ألبير الى أنّ “العائلة لا يمكن أن تتابع الموضوع قانونياً لأنّ الراهب يتبع رهبانيته التي تلاحق قضاياه كافة”. ويضيف: “عتبي على الرهبنة الأنطونية لأنها لم تتابع الموضوع كما يجب برأيي. الرهبانية “واصلة” ويمكن أن تتابع الملف بحذافيره”.

ويكشف شرفان أنّ البابا القديس يوحنا بولس الثاني أرسل كتاباً الى الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، طالبه فيه بمعرفة مصير الراهبين الأنطونيين. لكنّ الدولة السورية التزمت الصمت”.

ويختم شرفان بحسرة: “تعتبر الرهبانية الأنطونية أنّ الأبوين ألبير وسليمان قد انتقلا الى بيت الرب، لكن كيف يمكن اعتبارهما من شهداء الكنيسة ولم نر جثتّيهما بعد؟”.

يقول يسوع المسيح: “طوبى لَكم إذا عيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كلّ كلمة شريرة من أجلي”.(متى 5/11)

لذا، ما زال الأبوان شرفان وأبي خليل مفقودين في ظلّ غياب تام للدولة، فأين هما بعد ثلاثين عاماً على خطفهما في مجاهل القهر أم عن يمين الآب؟