تقترب محاولةُ زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري امتطاءَ «حصان» المبادرة الفرنسية التي تُسابِق «الانهيارَ الشاملَ» للبنان، من ساعةِ الحقيقةِ المحكومة بأحد احتماليْن، أن يتراجعَ الائتلافُ الحاكم عن نقاط التحفّظ التي سجّلها بـ «الفم الملآن» على خريطة الطريق التي رسمها الرئيس ايمانويل ماكرون، أو أن يتنازل «الرئيس المكلف مع وقف التنفيذ» عن أحد شروطه الرئيسية لقبول «المَهمة الموقوتة» فيقوم بخطوة ثانية إلى الوراء ولو «مُمَوَّهة» يبقى معيارُ فاعليتها النجاح في توفير «بوليصة تأمين» عربية – دوليةٍ لها.
ومع تدشين الحريري أمس «مشاوراتِ التأليفِ» في سياقِ مسارِ غير مسبوقٍ فرض زعيمُ «المستقبل» فيه نفسَه على كل القوى السياسية مرشَّحاً برتبة رئيسٍ مكلّفٍ يُمنح «صلاحية» التفاوض المُسْبَق حول حكومته المفترَضة، بدأت تضيقُ هوامش المناورة أمام مختلف الأطراف الذين يستمرّون بالتخنْدق عند الـ «لاءات» التي كانت قطعتْ «حبلَ» تكليف السفير مصطفى أديب في تطورٍ شكّل صفعةً لباريس ومبادرتها التي حملتْ عنوان قيام حكومة انتقالية من اختصاصيين مستقلين لا تسميهم القوى السياسية وتُطلق مسار إصلاحات مُجَدْولة زمنياً.
ورغم الإيجابية المعلَنة التي طبعتْ لقاء الحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون بعد قطيعةٍ أعقبتْ استقالة زعيم «المستقبل» في تشرين الاول 2019 وتكليف حسان دياب تشكيل الحكومة (المستقيلة حالياً)، وذلك قبل اجتماع «كسْر الجفاء» بين زعيم «المستقبل» ورئيس البرلمان نبيه بري، فإن المشهدَ الحكومي الذي يضرب موعداً مبدئياً مع استشارات التكليف بعد غدٍ، بقي يلفّه غموض كبير بفعل الخيارات الضيّقة المتاحة للتوصل إلى صيغة توفيقية لحكومةٍ يتعيّن أن تنال رضى الداخل (الغالبية البرلمانية) وفي الوقت نفسه تتفادى «العين الحمراء» الخارجية المصوَّبة على «حزب الله».
وفيما وضع الحريري الائتلافَ الحاكِمَ خصوصاً (يقوده «حزب الله» وفريق عون) أمام «امتحانٍ» حيال مدى استمرار التزامه بـ «روح» المبادرة الفرنسية في ما خص البرنامج الإصلاحي ومرتكزات أي اتفاق مع صندوق النقد، باعتبار ذلك عاملاً مُقَرِّراً في حسم خياره بالنسبة إلى المضي بترشيح نفسه أم «تَحَمّلوا مسؤولية ما سيكون»، فإن جانباً آخَر لا يقلّ أهمية مازال عالقاً ويتمثّل بالخلاف على شكل الحكومة، وهو ما يطلّ تلقائياً على جوهر مسعى ماكرون وحظوظ أي تشكيلةٍ في شقّ طريقها فوق «أفواه البراكين» الإقليمية التي انكشف عليها لبنان بالكامل.
ولم يتطلّب الأمر الكثير من الجهد لاستخلاص الموقف «النهائي» لـ «حزب الله» وبري، ومفاده التمسك بحقيبة المال وتسمية الوزراء الشيعة كلهم، مع مرونةٍ في ما خص «بروفايلهم» بمعنى ألا يكونوا حزبيين وأن يحصل «تَشارُك» مع الحريري في اختيارهم من ضمن لائحة قابلة «للتجديد» إلى أن يجد الرئيس المكلف فيها «ضالته»، في حين أن فريق عون (التيار الوطني الحر) يرى أن حكومةَ الاختصاصيين يفترض أن تبدأ «من رأسها» وإلا سيطالب باختيار ممثلين له، وهو ما سينسحب تالياً على سائر مكوّنات الغالبية النيابية.
وفي حين يندرجُ إصرارُ «حزب الله» على تسميةِ وزراء المكوّن الشيعي في إطار «هدفٍ استراتيجي» عنوانه أن إبعادَه عن الحكومة هو تماهٍ مع «الهجمة» الأميركية عليه وأن أي تسليمٍ به سيُفسَّر إذعاناً، ناهيك عن أن لا شيء يبرّر منْح الحريري أو غيره شيكاً على بياض لقيادة البلاد بما يوحي بوجود «غَلَبةٍ» دولية في الواقع اللبناني، فإنّ أي مَخْرَجٍ من المأزق الحكومي سيتطلّبُ، بالتوازي مع سماع زعيم «المستقبل» الأجوبة حول الالتزام بالبرنامج الإصلاحي وفق الورقة الفرنسية (شكّل وفداً ليجول على رؤساء الكتل)، تدويرَ زوايا شكل الحكومة التي يريدها الحريري حتى الساعة من اختصاصيين غير حزبيين لا تسميهم الأطراف السياسية.
وإذ استوقف أوساطاً متابعة كلام الحريري بعد لقائه عون عن «حكومة اختصاصيين لا ينتمون للأحزاب، تقوم بإصلاحات محددة بجدول زمني محدد، لا يتعدى أشهراً معدودة»، سألت هل يمكن أن يكون زعيم «المستقبل» في وارد القبول، بحال استشعر بوجود غطاء جامع للمسار الإصلاحي، بتشارُك التسمية مع القوى السياسية ولكن لشخصياتٍ غير حزبية. علماً أن مثل هذا الأمر سيستدرج تعقيداتٍ تتصل بالحصص الوزارية وتوزيع الحقائب، ناهيك عن أنه سيشكّل نسخة منقّحة عن حكومة دياب، على أن تبقى قابليةُ مثل هذه التشكيلة للحياة رهنَ القدرة على تسويقها خارجياً.
وفيما لم يكن ممكناً أمس، تحديد مصير الاستشارات النيابية للتكليف بعد غد وإذا كان عون بوارد إرجائها وسط إشارةٍ لافتة أطلقها خلال استقباله الحريري حيث أكد «وجوب تشكيل حكومة جديدة بالسرعة الممكنة»، ذكّر زعيم «المستقبل» بأن «هدفي هو تعويم مبادرة ماكرون، لأنها الفرصة الأخيرة لوقف الانهيار وإعادة إعمار ما دمّره انفجار مرفأ بيروت. ومع الأسف، ما رأيناه في الإعلام من كلام وتسريبات ومواقف، لم تكن له علاقة بهذه المبادرة، وكان كله كلام بالمحاصصة والشروط الحزبية».
وإذ أكد «أن عدم وجود أحزاب بالحكومة هو لأشهر معدودة فقط، أي أننا كأحزاب لن نموت، وبهدف تنفيذ اصلاحات فقط وفق الورقة الفرنسية التي هي بمثابة بيان وزاري للحكومة»، قال «اذا تبين لي بنتيجة الاتصالات أن هناك من غيّر كلامه السابق بأنه مع المبادرة الفرنسية، أو أنه يريد الآن أن يغيّر مفهومها، خصوصاً بالشقّ الاقتصادي فيها وشقَ الاختصاصيين مع علمه المسبق أن ذلك يُفْشِلها، فليتفضّل ويتحمّل مسؤوليته امام اللبنانيين (…) وهذا كان موقف فخامة الرئيس أيضاً، وهذا يشجّعني على مواصلة الجهود».
وفي موازاة ذلك، أعلن لبنان أمس عن تشكيلة الوفد الذي سيمثله الى «التفاوض التقني لترسيم الحدود الجنوبية» ويتألف من العميد الركن الطيار بسام ياسين رئيساً، وعضوية العقيد الركن البحري مازن بصبوص، عضو هيئة ادارة قطاع البترول في لبنان وسام شباط، والخبير نجيب مسيحي.
وجاء تأخُّر الرئاسة اللبنانية في حسْم هوية فريق التفاوض غير المباشر مع اسرائيل الذي ينطلق غداً في مقر «اليونيفيل» في الناقورة برعاية أممية وحضور الوسيط الأميركي ديفيد شينكر بعد تجاذبات داخلية مكتومة حيال تشكيلة الوفد، وسط معلومات كانت سرت عن اتجاهٍ لضمّ ممثل لوزارة الخارجية وأن يحضر المدير العام لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي قوبل بتحفظ من «حزب الله» وبري عبّر عنه إعلام قريب من الحزب، حذّر من انجرار عون إلى «الفخ الإسرائيلي» الرامي لإعطاء المفاوضات طابعاً سياسياً ظهّره إدراج تل ابيب مسؤولين حكوميين في وفدها.
وبدا أن عون، الذي لم يستسغ «التشكيك» به، تعمّد الإبقاء على عضوية شباط في الوفد (شخصية مدنية) كتعبير أيضاً عن حقه الدستوري في تشكيل الوفد، قبل أن ينفجر «صراع صلاحياتٍ» بدا وكأنه «في خاصرة» هذا الملف الحيوي للبنان مع إعلان دياب في كتابٍ «تحذيري» وجهه الى عون من «مخالفة نص دستوري ينصّ على أن يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة».