كتب عمر البردان في “اللواء”:
يأتي تحرك الرئيس سعد الحريري باتجاه القوى السياسية قبل موعد الاستشارات النيابية الملزمة المقررة بعد غد، في حال لم يتم إرجاؤها، في سياق الجهود التي يبذلها لإنقاذ البلد من الغرق إذا استمر التراجع المخيف على مختلف الأصعدة. ويضع الرئيس الحريري نصب عينه المبادرة الفرنسية، باعتبار أنها بمثابة الخرطوشة الأخيرة، بالنظر إلى ما تتضمنه من بنود إنقاذية للأزمة الاقتصادية والمالية. وهو يأمل أن يلقى تحركه هذا استجابة من باقي الأطراف، وتحديداً «الثنائي الشيعي» الذي سبق وعطل المبادرة الفرنسية، باشتراطه الحصول على حقيبة وزارة المال، إضافة إلى إعطائه حق تسمية الوزراء الشيعة. والسؤال الذي يطرح : هل بإمكان الرئيس الحريري تجاوز العقبات التي أفشلت مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون؟ وبالتالي هل أن الذين رفضوا تقديم تنازلات لصالح المبادرة الفرنسية، مستعدون هذه المرة لتسليف الرئيس الحريري ما سيطلبه؟
لا تبدو الأمور على هذه السهولة التي قد يتصورها البعض، خاصة وأنه لم يتم تسجيل أي موقف لافت في الساعات الماضية يصب في إطار المساعي الهادفة لتسهيل مهمة الرئيس الحريري، في حال جرت تسميته رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة الخميس المقبل، وسط معلومات تشير إلى إمكانية تأجيل موعد الاستشارات بضعة أيام، إفساحاً في المجال أمام المزيد من المشاورات، لإنضاج الطبخة الحكومية وإزالة ما قد يعترضها من عقبات، قبل التكليف. لا بل أن «الثنائي» عاد وأكد المؤكد بأنه لن يتنازل عن مطالبه، وإن كان وعد بتسهيل مهمة الرئيس الحريري، في مقابل إصراره على عدم المساومة على شروطه، وهو ما اعتبرته أوساط سياسية بمثابة «لغم» قد يفجر مبادرة الحريري برمتها، كما فجر قبلها المبادرة الفرنسية لتجاوز المأزق المالي والاقتصادي الذي يتخبط به لبنان.
وتؤكد في هذا الإطار، أوساط نيابية بارزة في «المستقبل» لـ«اللواء»، أن «مصلحة البلد والناس هي في تأمين كل ظروف نجاح مسعى الرئيس الحريري، لناحية تشكيل حكومة اختصاصيين لا تضم أحزاباً، باعتبار أن هذه الحكومة لن تستمر أكثر من أشهر معدودة، ستكون مهمتها استعادة الثقة العربية والدولية بالمؤسسات اللبنانية، ما قد يفتح أبواب المساعدات للبنان، بعد التوافق مع صندوق النقد الدولي الذي لا يثق بالحكومات السياسية التي أثبتت التجربة، أنها قليلة الإنتاجية ولا يمكن التعويل عليها كثيراً في عملية الإنقاذ. وهذا يتطلب فريقاً وزارياً اختصاصياً مشهود له بالكفاءة، وبإمكانه تصحيح مكامن الخلل التي تعتري الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلد. وبالتالي ليس أمام الفرقاء الآخرين إذا كانوا ضنينين فعلاً بمصلحة لبنان، إلا التجاوب مع مقترحات الرئيس الحريري الإنقاذية التي تشكل انطلاقاً من المبادرة الفرنسية، خارطة طريق نحو العبور إلى الأمان».
وتوقعت، «ألا تكون الطريق إلى تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة، معبدة وبما يضمن حصول ذلك الخميس المقبل، بانتظار نتائج اللقاءات التي سيعقدها الوفد الذي شكله الرئيس الحريري مع المكونات السياسية، وهي المدعوة للقيام بما هو مطلوب منها في ظل هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوطن على مختلف الأصعدة. إذ لا يمكن توقع نجاح مساعي رئيس «المستقبل» إذا استمر بعض الأطراف متسلحاً بمواقفه، خلافاً للدستور والقانون، على غرار ما حصل مع المبادرة الفرنسية التي يحاول الرئيس الحريري إعادة تعويمها، كونها الملاذ الأخير الذي بإمكانه إخراج لبنان من مأزقه، تفادياً للكارثة الكبرى.
ولا يكفي القول بالاستعداد للمساعدة في إنجاح مهمة الرئيس الحريري، وإنما المطلوب أن يترافق ذلك مع خطوات حسية تقرن القول بالفعل، بهدف الإسراع في التكليف، على أن لا يتجاوز التأليف مهلة الأسبوعين أو العشرين يوماً على أبعد تقدير إذا حسنت النوايا».
في المقابل، لا تستبعد مصادر سياسية، موافقة الرئيس الحريري على إسناد حقيبة المالية لشخصية شيعية غير حزبية، انسجاماً مع ما طرحه لإنقاذ المبادرة الفرنسية، على أن يكون ذلك لمرة أخيرة، في إطار الجهود التي يقوم بها، خشية سقوط البلد في المجهول، وما قد يترتب عن ذلك من تداعيات لن يكون بالإمكان تجاوزها، بالنظر إلى ما ستخلفه من انهيارات في مختلف المجالات. وهو ما سبق وحذرت منه المواقف العربية والدولية، وسط دعوات للبنانيين للمبادرة إلى إنقاذ بلدهم والإسراع في تشكيل حكومة موثوقة، بإمكانها اتخاذ القرارات المطلوبة التي تكفل إخراج لبنان من النفق.