الانتخابات الرئاسية في بلاد العم سام لا تعني الأميركيين وحدهم، على اعتبار أن خيارهم الرئاسي في استفتاء شعبي حر يؤثر على العالم بأسره لأربع سنوات مقبلة. صورة تفسر مخاوف البعض إزاء عودة الرئيس دونالد ترامب إلى موقعه، مع ما يعنيه الأمر من مزيد من التشدد تجاه ايران وحلفائها في المنطقة، في مقابل محاذير بعض آخر من وصول جو بايدن إلى موقع القرار الأهم في العالم، معتبرين أن في ذلك هدفا ثمينا يمكن أن تحققه طهران ضد خصومها العالميين والاقليميين على حد سواء، حيث أنه ستكون أمام فرصة النوم على حرير التساهل “الديموقراطي” إزاء ملفاتها الساخنة كترسانتها النووية وحضورها في الشرق الأوسط وانخراطها المتعدد الوجوه في صراعاته ومعاركه السياسية الداخلية.
من بين هذه الكباشات استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، الذي تراجع حضور بعض القوى الاقليمية والدولية الفاعلة فيه على اعتبار أنه يسبح في فلك ايران ومحورها الاقليمي، على حساب امتداده العربي. وهو ما لا تستغربه مصادر سياسية مراقبة مذكرة عبر “المركزية” أن منذ دخول التسوية الرئاسية حيز التنفيذ عام 2016، أظهر الثنائي الشيعي قدرة فائقة على التحكم بمسار الأمور في البلاد بدءا من الانتخابات الرئاسية وصولا إلى سن قانون الانتخاب الذي يناسبه، وفرض الايقاع العسكري الذي يريد في مواجهة الارهاب، وصولا إلى إطاحة المبادرات الدولية الهادفة إلى انقاذ لبنان وانهاء أزمته.
لكن أوساطا ديبلوماسية غربية لا تجد في فائض القوة هذا مبررا لتعطيل البلاد وشل قدرة عجلتها الدستورية على التحرك في انتظار ما قد تنتهي إليه الانتخابات الاميركية المقررة بعد ثلاثة أسابيع، مذكرة بأن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، عراب الحل الانقاذي الجاري العمل بهديه راهنا، أطلق موقفا مهما في هذا الخصوص في المؤتمر الصحافي الذي خصصه للبنان قبل أسبوعين، حيث دعا حزب الله إلى “عدم اعتبار نفسه أقوى مما هو عليه فعلا”.
أما في ما يخص الانتخابات الأميركية، فتعتبر الأوساط عينها أن فوز بايدن أو عودة ترامب لا يغيران في المعادلة كثيرا، ما يجعل الرهان عليها خاسرا سلفا. ذلك أن على رغم الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها الرئيس في ظل النظام ذي الطابع الرئاسي المعمول به في الولايات المتحدة، فإن الادارة الأمنية والقومية والسياسية هي صاحبة الكلمة الفصل في الملفات المسماة كبيرة كالحرب على الارهاب، أو فتح المواجهات في الشرق الأوسط. وفي محاولة لإضفاء بعض الوضوح في هذا المجال، توضح المصادر أن أمن اسرائيل لطالما كان الخط الأحمر الوحيد للسياسات والخيارات الأميركية في الشرق الأوسط. بدليل أن أوباما نفسه، الذي انتهج سياسة القيادة من الخلف في المنطقة، وسحب الكثير من قواته من بلدانها، مراهنا على المقاربات الديبلوماسية “الناعمة”، أكد مرارا أن أمن اسرائيل من أمن الولايات المتحدة. ولذلك لم نره ينكفئ عن مواجهة ايران والارهاب. بل إنه أكمل مسيرة سلفه الجمهوري جورج بوش، لكن بفارق الركون إلى السياسة والديبلوماسية، بدلا من “سلاح” العقوبات واستنزاف القوى العسكرية في حرب مكلفة ماليا وبشريا قد لا تؤتي ثمارها.
وتلفت المصادر في هذا الاطار إلى أن ترامب فضل الركون إلى العقوبات والخنق الاقتصادي، مبتعدا بدوره عن خيار المواجهة العسكرية، وإن من دون اسقاطها كليا من قاموسه، إلى جانب تعزيز الاطمئنان الاسرائيلي إلى حضور تل أبيب واقتصادها في المرحلة المقبلة من خلال اتفاقات التطبيع الخليجية مع اسرائيل، والتي تمر الواحد بعد الآخر من غير معارضة تذكر من جانب الممانعة وأركانها. وما بين المقاربتين، ترقب وانتظار على نار انتخابية حامية تعززها أزمة وباء كورونا وفشل ترامب في التعاطي معها، إلى حد استخدامها في حملته، إضافة إلى المعارضة الديموقراطية بزعامة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، لخيارات ترامب المثير للجدل، والذي يواجه سهاما من خصمه تطلقها السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما، مركزة على الملفات الداخلية، على اعتبار أنها الوحيدة التي تؤثر في نتائج الانتخابات، بينما تخضع الخيارات الخارجية لخطوط حمر معروفة.