على مشارف السنوية الأولى لانتفاضة 17 أكتوبر، تحركت المسارات السياسية دفعة واحدة، من التفاوض على ترسيم الحدود مع إسرائيل إلى مساعي تشكيل حكومة جديدة.
توازياً، يتعاظم حجم الكارثة الاجتماعية والمعيشية التي يغرق فيها المواطن اللبناني يوماً بعد آخر، فهو بات أسير تحلل الدولة وعجزها من جهة، ومافيات الاحتكار التي تتحكم في لقمة عيشه ودوائه، من جهة أخرى.
وفي ذروة تفشي وباء «كورونا»، وتحليق أسعار السلع الغذائية من دون حسيب ولا رقيب يضبطها، أصبح هم اللبناني الحصول على علبة «بنادول» وسواها من الأدوية المقطوعة من الصيدليات بسبب احتكار التجار للأدوية أو تهريبها خارج الحدود.
وبنتيجة هذا الأمر، أغلقت الصيدليات في لبنان أبوابها اعتراضاً على احتكار أصناف كثيرة من الأدوية من قبل وكلاء الأدوية ومستورديها تحسباً لرفع مصرف لبنان الدعم عن الدواء وبالتالي رفع الأسعار.
الحزب التقدمي الاشتراكي تقدم باقتراح قانون معجل مكرر «يلزم الدولة بوقف استيراد أي دواء يُصنَّع في لبنان». وقال النائب بلال عبدالله ان البعض يحتكر الدواء والبعض الآخر يصدّره وهذا ما دفعنا الى الإسراع في تقديم الإقتراح.
في المقابل، أعلن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر برنامج التحرّكات والاعتصامات المنوي تنفيذها اليوم في كل المناطق اللبنانية في «يوم الغضب والرفض التحذيري»، كما سيتمّ تنفيذ إضرابات عامة واعتصامات في كل المصالح المستقلة والمؤسسات العامة والخاصة في كل المناطق.
ترسيم الحدود
وفي ملف ترسيم الحدود البحرية، ومع انطلاق الجولة الأولى من المفاوضات بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي بحضور الوسيط الأميركي دايفيد شينكر، ظهر الى العلن تباين لبناني بين رئاستي الجمهورية والحكومة على خلفية تشكيل الوفد المفاوض، إضافة الى هواجس بعض الاطراف من توسيع اطار التفاوض الى محادثات سياسية، وهو ما ينبئ بإضافة مادة خلافية جديدة الى النزاعات اللبنانية المتعددة.
على الصعيد الحكومي، انطلقت جولة الاتصالات الجدية بين القوى السياسية عبر الحراك الذي بدأه الرئيس سعد الحريري للتوافق على تكليفه تشكيل حكومة تنفّذ الخطة الإصلاحية التي لحظتها المبادرة الفرنسية. وينطلق الحريري في مشاوراته من الازمة الاقتصادية، مؤجلا النقاش السياسي الى ما بعد التكليف.
وعلى وقع نتائج جولات الوفد الذي شكله الحريري لزيارة رؤساء الأحزاب والكتل، ستحدد وجهة «خميس الاستشارات». لكن وفق المعطيات السياسية يبدو طريق الحريري نحو التكليف غير معبد لغاية الآن، إلا أن مصادر نيابية مستقلة توقعت ان يحصل التكليف، أما التأليف فسينتظر إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.
وتربط المصادر بين مفاوضات ترسيم الحدود، وتشكيل الحكومة، وانعكاساتهما على تخفيف العقوبات الاميركية، وشروط صندوق النقد الدولي. ولدى سؤالها عن مؤشرات دولية وعربية مسهلة لتشكيل الحكومة، قالت المصادر ان الحريري انطلق من قناعة ان ورقة التفاوض مع إسرائيل ستجنب لبنان مزيدا من الضغوط الأميركية، وهناك الموقف الروسي الذي عبر اكثر من مرة عن تأييده عودة الحريري، وقد يترافق هذا التأييد مع ضغوط على ايران لتسهيل تشكيل الحكومة.
ولفتت المصادر إلى أن الحريري في حال رضوخه لشروط حزب الله يكون قد أعاد عقارب الساعة الى ما قبل 17 أكتوبر 2019. في المقابل برزت امس مواقف للتيار الوطني الحر قرأ فيها مراقبون عدم قبول بالحريري أو على الأقل العودة إلى نغمة (باسيل والحريري معاً في الحكومة أو خارجها) حيث قال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في الذكرى الـ 30 لـ«حرب 13 تشرين» أن «مَن يريد أن يرأس حكومة اختصاصيين، فيجب أن يكون هو الاختصاصي الأوّل، ومَن يحب أن يخلط بين الاختصاصي والسياسي، فيجب ان يعرف يعمل الخلطة، بلا تذاكي وعراضات إعلاميّة».
وعن جولة وفد المستقبل على القيادات، قال باسيل: «ليس على علمنا ان ماكرون عينه ليشرف على مبادرته ويقوم بفحص الكتل ومدى التزامها بالمبادرة»، واضاف أنه لا إمكان للعيش مع هذا الدستور النتن والعفن الذي أتانا بالدبابة وأكمل علينا بالفساد ويريد إنهاءنا بالموت البطيء.
جنبلاط: صفقة
والميثاقية الطائفية لا تلغي الطائفية السياسية، في ظل ما بدأ يتردد عن أن الحريري سيأتي بأصوات فريق 8 آذار، وذلك بعد المواقف اللافتة للزعيم وليد جنبلاط من الملف الحكومي، وتحديدا بالنسبة الى مفاوضات تشكيل الحكومة، التي ادرجها في خانة صفقة جديدة بين الحريري وباسيل، واصفاً الحكومة بأنها حكومة سياسية، ولم تعد من الاختصاصيين المستقلين.
وأبدى جنبلاط استياء واضحاً من المشاورات والمبادرات، قائلاً: إن هناك اليوم عرفا جديدا هو «التكليف الذاتي لرئاسة الحكومة وبدل أن تنزل الكتل النيابية إلى المجلس وتطلب البرنامج، أرسل الحريري وفداً للكتل لعرض ما لديه. وهذا انقلاب بالأدوار. ورغم إعلانه أنه لن يستقبل وفد تيار المستقبل لأنه «وما هكذا يعامل وليد جنبلاط»، إلا أنه لم يغلق الباب نهائياً. وكانت النائب بهية الحريري، التي التقت زعيم تيار المردة، في اطار التشاور مع الكتل، ردت بإيجابية على تصريح جنبلاط، قائلة: «لا أعتقد أن وليد بك يقفل بابه في وجه أحد».