قد يكون مُخجِلًا ومُؤسِفًا القول إن الأحوال في لبنان لا يُمكنها أن تستقيم إلا بالعقوبات، وكأننا أمام طغمة حاكمة لا تفهم إلا بالعصا. فبالعقوبات، تمكّنت الولايات المتحدة الأميركية من أن تنتزع ملموسات في ما يتعلّق بالتفاوُض غير المباشر بين لبنان وإسرائيل حول الحدود الجنوبية، بوساطة من جانب واشنطن، وبرعاية دولية. وبالتلويح بالعقوبات الأميركية، حُفِظَت الكثير من الخطوط الحمراء السياسية في أوقات سابقة، ومنها في ملف مستقبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وغيرها من الأمور.
فهل بات الحلّ الحكومي، وبالتالي السياسي، مستحيلًا، بلا عقوبات فرنسية، أي من جانب الدولة صاحبة المبادرة التي أعلنها رئيسها إيمانويل ماكرون بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت؟ ولماذا تتأخّر باريس عن فرضها، إذا كانت ترغب بحلّ سياسي في لبنان؟
لفت مصدر مُطَّلِع الى أن “فرنسا لم تقرّر استعمال كل الأوراق الضاغطة، والأسلحة السياسية والاقتصادية التي تمتلكها، حتى الساعة، لأنها لا تريد أن تكون أميركا أخرى في لبنان”.
وأشار في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” الى أن “باريس تراهن على لحظة إقليمية – دولية تسمح لمبادرتها بأن تنجح. ولكن هذه اللّحظة لن تكون قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية”. وقال: “توقّعت فرنسا أن تقوم بخرق عبر حَراك الرئيس سعد الحريري الحكومي، ولكن الأخير رشّح نفسه بطريقة خاطئة. فهو كلّف نفسه بنفسه، وانتقد كل الأفرقاء، وهو ما خفّف الكثير من حظوظه الحكومية”.
ورأى المصدر أن “المبادرة الفرنسية كافية لتعويم الحريري نفسه إقتصادياً، ولكنها غير كافية لتعويمه سياسياً. فواشنطن ودول الخليج لم تبلّغه بضوء أخضر قبولها به. أما مصر، فأيّدته “رفع عتب” وليس عن قناعة، لأن القاهرة تنسّق مع الفرنسيين، ولكنّها لا تخرج عن الوفاق الخليجي، وتحديداً مع السعودية”.
وأضاف: “هذه المعطيات تجعل باريس أمام خيارات قليلة تتركّز حول إما النّجاح في مبادرتها، وتشكيل حكومة بغضّ النّظر عن إسم رئيسها، أو الإنسحاب من مبادرتها كلياً، وهذا أمر مستبعد لأنها تتمتّع بدور دائم في لبنان”.
وكشف المصدر أن “استعمال باريس خيار العقوبات هو أمر وارد في مرحلة لاحقة، خصوصًا أن أجهزتها ودوائرها المختصّة أنهت منذ نحو ثلاثة أسابيع تجهيز ملف كامل عن حسابات كبار رجال السياسة والمسؤولين اللبنانيين في الخارج”.
وأردف: “الأجهزة الفرنسية استحصلت من دول تنتمي الى مجموعة الـ Paradis Fiscaux على حسابات موجودة في الخارج، لكبار السياسيين اللبنانيين. وبالتالي، أصبحت قادرة على فرض عقوبات مستقبلاً، أو التشهير بهم وفق إثباتات ملموسة في يدها. وهذا يعني أن باريس باتت تمتلك هذا السلاح، ولكنها لم تقرّر استخدامه بَعْد. وهي أبلغت المعنيين بأنها تمتلك “داتا” مهمّة جدّاً، في هذا الإطار”.
وأكد المصدر أنه “يُعاد النّظر بالخلية الديبلوماسية الموجودة في قصر “الإليزيه”، بعد أخطاء كبيرة ارتُكِبَت على صعيد السياسة الخارجية لفرنسا عموماً، وهو ما لا يرتبط بلبنان حصراً. فأخطاء السياسة الفرنسية في لبنان ناتجة عن أخطاء في السياسة الفرنسية تجاه إيران”. وقال: “اعتقد الفرنسيون أنه بإمكانهم أن يأخذوا من إيران ما لم تتمكّن الولايات المتحدة من الحصول عليه، ففشلت باريس، لأن طهران لن تسلّفها”.
وختم: “إذا قرّرت طهران أن تتنازل عن شيء، أو أن تقوم بتسوية، فإنها ستفعل ذلك مع واشنطن وليس مع باريس، لأن أوراق الخليج، والحصار الإقتصادي، والعقوبات المصرفية والمالية، والملف النووي، كلّها في يد واشنطن وليس باريس”.