كتبت ليلي جرجس في “النهار”:
في الموجة الأولى لفيروس كورونا في لبنان خضع أول مريض كوفيد_19 في مستشفى اوتيل ديو إلى جراحة نوعية من خلال تقنية الـEcmo لمساعدة رئتيه على العمل وتحسين نسبة الأوكسجين في دمه. هذه التقنية الموجودة في أكثر من 7 مستشفيات لبنانية، استُخدمت للمرة الأولى في نيسان لمعالجة مرضى كورونا.
لم يكن القرار سهلاً، خصوصاً أن هذا الجهاز قد يحمل مخاطر ومضاعفات صحية، إلا أن تدهور حالة المريض آنذاك دفعت بالفريق الطبي إلى اتخاذ القرار واللجوء إلى الخرطوشة الأخيرة لإنقاذ حياة الرجل الخمسيني الذي كان يُصارع الفيروس.
منذ نيسان وحتى تشرين الأول، أصبحت هذه التقنية عند الأطباء بمثابة الخرطوشة الأخيرة في علاج الحالات الحادة لمرضى كورونا. بعد مرور 8 أشهر على جائحة كورونا في لبنان، خضع 3 مرضى إلى جراحة طبية لوضع جهاز الـecmo لمدّ الرئتين بالأوكسجين وإنقاذ المريض من الموت.
منذ أيام، نجح الفريق الطبي في مستشفى هيكل في إنقاذ مريض بفضل الـecmo، وقبل ذلك نجح الفريق الطبي في مستشفى اوتيل ديو بإنقاذ مريضين أيضاً بعد تدهور حالتهما الصحية. يُشدد الأطباء على أن هذه التقنية هي بمثابة أمل جديد للمرضى الذين يعانون من حالات حادة نتيجة الفيروس، وهي بمثابة الخرطوشة الأخيرة التي نلجأ إليها في العلاج.
وفي هذا الصدد، يؤكد الاختصاصي في الأمراض الصدرية والإنعاش الطبي في مستشفى أوتيل ديو الدكتور باسم هبر أن “الجراحة الأولى كانت في الموجة الأولى من فيروس كورونا في لبنان، حيث عانى المريض الخمسيني من التهابات رئوية حادة نتيجة الفيروس، وبعد أن أصبحت حالته حرجة، وبمشاورات ومتابعة مع الفريق الطبي في المستشفى اتخذنا قرار اللجوء إلى تقنية الـecmo كأمل أخير لمعالجة المريض.
وكما بات معروفاً ان هناك بعض الأشخاص الذين يعانون من مضاعفات الفيروس أكثر من غيرهم، وتكون حالتهم أكثر حدّة، ولكن أحياناً يتفاعل الجسم بطريقة معينة تؤدي إلى حدوث مضاعفات برغم من أن الشخص لا يعاني من عوامل مؤثرة أو أمراض مزمنة. ومع ذلك، يعتبر الـ ecmo آخر علاج ممكن اللجوء إليه في حال لم تنجح كل العلاجات الأخرى في التخفيف من حدّة المرض”.
وأشار إلى أن” الـecmo يعتمد على نوع الجهاز وخبرة الجراح والطاقم الطبي الذي يساعده. ومدة بقائها في الجسم تختلف حسب نوع الجهاز، الأجهزة الحديثة تبقى لمدة 28 يوماً، أما في الأجهزة القديمة فنضطر إلى تغيير الوصلة مرة كل أسبوع”.
هذه التقنية باتت متوفرة في 7 مستشفيات لبنانية ولكن 3 منها لجأت اليوم إليها لمعالجة مرضى الكورونا بواسطتها، في حين أن هذا الجهاز يُستخم لحالات طبية أخرى.
وفي هذا الصدد يؤكد هبر أن “استخدام ecmo لعلاج كورونا كان محصوراً بثلاثة مستشفيات، فقد لجأنا إليها في مستشفى أوتيل ديو لعلاج مريضين بها، الأول تعافى وعاد إلى منزله، والثاني تحسنت حالته ولقد تمّ نزع الجهاز عنه ولكنه ما زال في المستشفى. وكذلك نجح مستشفى هيكل في إنقاذ مريض ثالث بفضل هذه التقنية، وما زال اليوم تحت المراقبة للتأكد من تحسن رئتيه”.
وعن المضاعفات التي قد يُسببها الـecmo، وفق الاختصاصي في الأمراض الصدرية والإنعاش الطبي، فهي عديدة. وهذا ما يُفسر عدم اللجوء إليها إلا كحل أخير. فهي قد تُؤدي إلى حدوث نزيف، وإلتهابات، ونقص مناعة مرحلية، وتخثر الدم…
وقبل اتخاذ القرار باللجوء إلى ecmo، يجتمع الفريق الطبي للبحث في كل الخيارات قبل الوصول إليها، لأنها عملية تحمل مخاطر وقد لا يتحسن المريض. وبعد نفاد كل العلاجات التي لم تُحسن أو تعطي نتائج فعالة على المريض، وبعد متابعة مع العلاجات في الدول الأخرى التي لجأت إلى هذه التقنية، أجرينا الجراحة الأولى لمريض الكورونا.
أما المريض الثاني، فقد تم نزع الجهاز، ولم يعد بحاجة إليه ولكنه ما زال في المستشفى.
وفي النهاية، يختم هبر أن “هذه التقنية مكلفة ولا يُغطيها الضمان وبعض شركات التأمين، ونأمل في الأيام المقبلة أن تتمّ تغطيتها”.من اوتيل ديو إلى مستشفى هيكل، حيث كُتبت قصة نجاح مشابهة مع جهاز الـecmo، ويشرح الإختصاصي في جراحة القلب والصدر الدكتور كرم كرم في حديثه لـ”النهار” أن هذه الجراحة هي الأولى في الشمال والثالثة في لبنان، ونلجأ إلى هذه الجراحة عندما نكون قد استنفدنا كل العلاجات الأخرى ولم تتحسن حالة المريض أبداً. إذاً، تكون الحل الوحيد المتبقي أمام الأطباء، ويعود سبب ذلك إلى أن نسبة نجاحها لا تتخطى الـ50%. وبالتالي نلجأ إليها بعد أن يصل المريض إلى المرحلة الأخيرة مع كورونا وأصبحت حالته حرجة وخطيرة جداً، وتعتبر بمثابة الخرطوشة الأخيرة لإنقاذه”.
ولفت إلى أن “كلفة هذه الجراحة والتقنية مرتفعة وغير معترف بها عند الجهات الضامنة، وغير متوفرة في كل المستشفيات، وهذا ما يجعل هذا الجهاز نادراً، وهذه الجراحة نادرة مقارنة بالعلاجات الأخرى لكورونا. كما ان هذه التقنية تتطلب تدريباً خاصاً للطاقم الطبي لمتابعة نسبة الأوكسجين والدم… ويبقى الجهاز لمدة شهر في جسم المريض ولكن بعد ذلك يتوجب علينا نزعه حتى لو لم يتحسن المريض”.
وعن مضاعفات هذا الجهاز، يشير كرم إلى أنه “قد يُسبب جلطات هوائية، التهابات، تخثر الدم… هناك مضاعفات يمكن حدوثها وهذا ما يجعل اللجوء إلى هذه التقنية العلاج الأخير أمام المريض”.
وعن المريض الذي خضع لهذه الجراحة، يقول كرم إن “المريض ما زال في العناية الفائقة بعد أسبوعين على اجراء الجراحة له وحالته تتحسن، ولكن ما زلنا لا نعرف إذا كان سيتعافى كلياً. وعلينا الإنتظار أسبوعين لمراقبة تحسن حالته، وفي حال لم يتحسن فهذا يعني أن هذا العلاج لم ينجح حتى في انقاذ المريض، لقد استنزفنا كل الحلول والعلاجات المتاحة في كورونا”.
وأشار إلى أن “المريض كان يعاني من مرض رئوي نتيجة التدخين، ويعاني من وزن زائد وهذه عوامل مؤثرة ولكن هذا لا يعني أن كل شخص يعاني من هذه العوامل ستتدهور حالته بهذا الشكل، كل جسم يتفاعل بطريقة خاصة به”.
ويختم قائلاً “تبقى الفرصة الأخيرة أمام المريض وتعتبر مهمة لأنها تعطي أملاً في مكان ما لمرضى الكورونا. واليوم بدأنا نشاهد حالات حرجة ومتقدمة نتيجة ارتفاع الإصابات بشكل جنوني في الآونة الأخيرة، ولقد وصلنا في المستشفى إلى القدرة الاستيعابية القصوى ولم يعد هناك أي سرير شاغر”.