كتب عماد مرمل في صحيفة الجمهورية:
فاجأ الرئيس ميشال عون أغلب الكتل النيابية بتأجيل الاستشارات الملزمة التي كانت ستفضي الى تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة بأكثرية الأصوات، فما هي مرتكزات هذا القرار الليلي المباغت؟
اذا كان رئيس كتلة نواب الأرمن آغوب بقرادونيان هو الذي تمنّى على رئيس الجمهورية إرجاء الاستشارات الملزمة، الّا انّ الأكيد انّ عون استند في خيار الارجاء الى اعتبارات أوسع من حدود برج حمود، وإن يكن الطلب الارمني قد عزّز الحجج الرئاسية.
وما هو محسوم، انّ عون مقتنع بصوابية موقف رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، الذي اعترض على تجاهل الحريري لموقعه التمثيلي في التوازنات الداخلية، وعدم مبادرته الى زيارته او الاتصال به، كرئيس لأكبر تكتل نيابي عموماً ومسيحي خصوصاً، بينما تجاوز رئيس تيار «المستقبل» المواقف الحادة التي اتخذها ضدّه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وبادر الى الاتصال به، مبدياً التجاوب مع مطالبه الوزارية، لكسب أصوات كتلته النيابية في الاستشارات.
وابعد من الجانب المتصل بالنزاع بين الحريري وباسيل، تلفت اوساط التيار الى انّ احد الأسباب الجوهرية التي دفعت عون الى تأجيل الاستشارات، هو انّ نتائجها كانت ستفتقر الى عصب الميثاقية المسيحية، وسط رفض كل من تكتل لبنان القوي «البرتقالي» وكتلة الجمهورية القوية «القواتية» تسمية الحريري، بمعزل عن انّ الرجل كان سينال عددياً اكثرية كافية لتكليفه بتشكيل الحكومة.
لقد شعر عون وباسيل انّ الحريري سيكتفي بالتفاهم مع الثنائي الشيعي وجنبلاط ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وبعض الكتل الصغيرة، لانتزاع التكليف، من دون الأخذ في الحسبان طروحات الرئاسة والتيار وطريقة مقاربتهما لشروط التسمية والتأليف.
لم يتقبّل عون وباسيل فكرة ان يتولّى رئيس تيار “المستقبل”، المتموضع في قلب اللعبة السياسية، رئاسة حكومة اختصاصيين، وهما يضعان هذا الطرح في سياق التحايل على المبادرة الفرنسية، والسعي الى فرض امر واقع على قصر بعبدا وميرنا الشالوحي، تحت طائلة تحميلهما مسؤولية استمرار الانهيار وتفاقم تداعياته.
وهناك في اوساط التيار من يعتبر انّ الحريري يبتز الآخرين سياسياً، على قاعدة انّه المرشح الوحيد لرئاسة الحكومة في ظروف اقتصادية واجتماعية شديدة الصعوبة، ولا تتحمّل المزيد من التفريط بالوقت، مفترضاً انّ هذا الوضع الدقيق لن يعطي عون وباسيل اي هامش للمناورة او لرفع سقف التفاوض.
َثم انّ لدى قصر بعبدا وميرنا الشالوحي شعوراً بأنّ الحريري سيكون مستعداً عند التأليف، لإرضاء الثنائي الشيعي وجنبلاط عبر اختيار اسماء منسّقة معهم بشكل او بآخر، بينما لا توجد اي ضمانات في ما خصّ طريقة انتقاء الاسماء المسيحية.
وعليه، لا يريد عون وباسيل إظهار اي إشارة ضعف او إعطاء انطباع بأنّ الحريري يستطيع أن «يكسر» عليهما، انطلاقاً من فرضية انّهما محشوران سياسياً وشعبياً، نتيجة تدحرج الانهيار او التلويح بالعقوبات الأميركية، وبالتالي فإنّهما تعاملا مع استحقاق الاستشارات المؤجّلة على اساس انّه خط الدفاع الأول، ليس فقط للتأثير في معادلة التسمية وإنما ايضاً للمشاركة في رسم معالم الحكومة المقبلة، على قاعدة «الربط التسهيلي»، وفق مقاربة بعبدا، بين التكليف والتأليف بدل البقاء رهينة الرئيس المكلّف بعد تسميته.
وأمام كل هذه الاعتبارات ومنعاً لاجتهادات في غير محلها، يبدو أنَّ عون وباسيل قرّرا ان يبعثا، عبر ارجاء الاستشارات، رسالة إلى الحريري مفادها الآتي:
– بدك تروق علينا، ولن ندعك تمسكنا من اليد التي تظن انّها توجعنا.
– لن نخضع الى شروطك تحت ضغط الوقت الضيّق والأزمات المتراكمة، وهناك أصول للتكليف والتأليف لا يمكن التساهل حيالها، علماً انّ احترامها يساهم في تحصين التسمية ومنح الرئيس المكلّف أوسع غطاء وطني ممكن.
– لم نفقد بعد زمام المبادرة، ومعادلة «الحريري- باسيل» باقية ما دامت هناك ضرورة لها.
– المطلوب خلال «الدورة الثانية» من امتحانات التمهيد للتكليف مراعاة حيثية المكون المسيحي الأساسي.
اعتراض الخصوم
لكن هناك بين خصوم رئيس الجمهورية والتيار الحر، من يعتبر انّ الهروب من الاستشارات الملزمة الى الامام، ليس سوى هدر للوقت الثمين ومجازفة بالفرصة الممكنة، من أجل إنقاذ لبنان قبل فوات الأوان.
بالنسبة إلى هؤلاء، كان ينبغي على عون ان يتعاطى مع موعد الاستشارات الذي كان مقرّراً امس بمسؤولية وترفّع، بعيداً من عواطفه الشخصية وحساباته السياسية الخاصة، «خصوصاً انّ كل يوم يمرّ على وقع الشلل الحكومي المتمادي والازمة الاقتصادية الاجتماعية الحادة، انما يهدّد بتداعيات وخيمة، ليس خطر رفع الدعم عن السلع الحيوية الّا عينة منها».
ويشير بعض المعترضين على سلوك رئيسي الجمهورية والتيار، الى انّ محاولة عون التهرّب من «قدر» الاستشارات اسبوعاً لن يفيده على الارجح في شيء، لانّ الحريري سينال الخميس المقبل العدد الكافي من الأصوات لتكليفه.
ويشدّد أصحاب هذا الرأي، على انه لم يكن هناك من مبررات لقرار عون بتأجيل الاستشارات، والذي يغلب عليه طابع الحسابات التكتيكية في مرحلة لا تتحمّل مثل هذا الترف، بفعل تراكم الملفات التي تستنزف الشعب اللبناني وتحاصره، مشيرين الى انّه كان منتظراً من عون ان يلتقط نبض الناس وان يستعجل إجراء الاستشارات، لا ان يتباطأ في إنجازها ببرودة أعصاب لا تتناسب مع غليان التحدّيات.