كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
معركة خاسرة جديدة تضاف إلى سجلّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وأسوأ ما فيها أنّها تحصل في توقيت قاتل يعدّ اللبنانيون ثوانيه لا دقائقه وهم يشهدون على انتقالهم السريع إلى “أرض جنهم” التي ستحرق الأخضر واليابس. عشية الذكرى السنوية الأولى لاندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول والتي أصابت “التيار”، ورئيسه بشكل خاص، بالصميم ما دفعه إلى الاستعانة بأكثر من شركة متخصصة لتحسين صورته الاعلامية، ها هو يشوّه بيديه، كل المجهود الذي قام به طوال الأشهر الاثني عشر الماضية لمعالجة الندوب في بروفيله السياسي، ويعود إلى نقطة الصفر!
على نحو مفاجئ للحلفاء قبل الخصوم، قررت رئاسة الجمهورية ليل الأربعاء الماضي رمي أسبوع كامل من الزمن في سلّة المهملات بعد تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة حتى يوم الخميس المقبل، بحجة “طلب بعض الكتل النيابية لبروز صعوبات تستوجب العمل على حلها”… وكأنّ القوى السياسية مرتاحة على وقتها، وغير مستعجلة على تأليف حكومة جديدة. المضحك – المبكي أنّ اللبنانيين، كما سياسييهم، يعرفون جيداً أنّ باسيل، وليس “تكتل لبنان القوي”، هو وحده من طالب بالتأجيل، حتى لو تبرعت كتلة نواب الأرمن في أخذ مبادرة الطلب بصدرها، لأنّ العديد من أعضاء “التكتل” لا يوافقون رئيسهم الرأي وحاولوا خلال الاجتماع الأخير اقناعه بوجهة نظرهم ولكن من دون جدوى، ولو أنّ هناك من حاول الإيحاء خلال الساعات الماضية بأنّ “حزب الله” يفضّل بدوره تأجيل التكليف بعض الوقت.
لكن المعنيين يجزمون أنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أنجز تفاهمه مع “الثنائي الشيعي” على نحو كامل، وكان يفترض أن ينتهي يوم أمس على تكليفه رئاسة الحكومة ليبدأ معه مشوار التأليف، على اعتبار أنّ الحريري أبدى استعداده لمواجهة تكليف “منقوص الدسم المسيحي” للاكتفاء بما تيسّر من أصوات مسيحية، والتي كان يرجّح أن تقارب العشرين صوتاً.
بالنتيجة، لم يكن هناك من معترض على موعد الاستشارات النيابية إلّا باسيل. وفق المعلومات، لم يقل صراحة خلال اجتماع “التكتل” إنّه يفضل التأجيل، لكن مقاربته بدت رافضة كلياً لفكرة عودة الحريري إلى السراي. سأله بعض النواب العونيين عن جدوى التأجيل، وما يمكنه أن يغيّر خصوصاً وأنّه لم تمض ساعات على إشهار باسيل سيف رفضه ترؤس الحريري حكومة اختصاصيين، قاطعاً الطريق على أي مسعى تفاهمي مع رئيس “تيار المستقبل”. ولكن لم يجد أي من الحاضرين أجوبة مقنعة.
ما إن انتهى اجتماع “التكتل” حتى سطّر قصر بعبدا بيان التأجيل. وسرعان ما انتشرت نيران الانتقادات في هشيم مواقع التواصل الاجتماعي محمّلة رئيس “التيار الوطني الحر” مسؤولية الاستهتار بمصير شعب بكامله. الطامة الكبرى كانت حين كتب باسيل تغريدته المسائية قائلاً: “لكل من يتفلسف ويتكهّن ويراهن: مع احترامنا لقرار رئيس الجمهورية بتأجيل الاستشارات النيابية، فإنّ هذا لن يغيّر في موقفنا”.
يعني أنّه بشحطة قلم شطب مسار أسبوع بكامله وحكم عليه بالسلبية لأنّه لن يبدّل شيئاً. هكذا حسمها. في كل ما فعله باسيل، أثبت أنّ أزمته شخصية مع سعد الحريري، فيما الأخير مهجوس بكابوس التنازلات التي واظب على تقديمها منذ صياغة التفاهم الرئاسي. ولذا فضّل أن يُكلّف في آخر حكومات عهد ميشال عون بأقل “سكور” متوفّر، على أن يجالس باسيل من جديد ويتفاهم معه لضمان أصواته. لا يبدي الرجل أي مرونة في هذا الشرط، وهذا ما دفع باسيل إلى قلب الطاولة في “ليلة القبض” على موعد الاستشارات النيابية وتأجيلها أسبوعاً جديداً.
لا تعكس هذه المشهدية سوى التخبّط الذي يعيشه باسيل، بدليل التبريرات المتناقضة التي تمّ تسريبها عن أجواء رئاسة الجمهورية لتعكس حالة الارباك الحاصلة. فالحديث عن ميثاقية مسيحية منقوصة لا ينسجم مع سلوك “التيار” الذي خاض معركة تكليف حسان دياب بأصوات “اللقاء التشاوري السني” دون سواه، في حين أنّ الكلام عن “منح فرصة إضافية للاتفاق مع الرئيس الذي سيكلف لانقاذ المبادرة الفرنسية”، فلا يبدو مقنعاً خصوصاً وأنّ الحريري أوفد من يمثله لسؤال الكتل النيابية (بينها “تكتل لبنان القوي”)، عن حقيقة موقفها من المبادرة، ويفترض أنّه سمع اجابات شافية لكي يبقي على ترشيحه. بالمبدأ خسر باسيل معركة التكليف الا اذا قرر الحريري القيام بخطوة انتحارية، عبر تلبية طلب رئيس “التيار” في مجالسته وجهاً لوجه. أما غير ذلك، فقد بدأ البحث عن “سُلّم” ينزل جبران باسيل عن شجرته، ليخوض آخر معارك التأليف!