كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:
بناءً على الأجواء المشحونة التي يحاول كل طرف حقنها والحرص على عدم تظهيرها الى العلن، كان يمكن للاستشارات لو حصلت أمس أن تنقل البلد الى أزمة أكثر تعقيداً عنوانها تشكيل الحكومة. أقله هذا ما يمكن استنتاجه من خلفيات التأجيل وموقف بعض المكونات السياسية منها. الاساس هو أن النوايا غير صافية بعد، والثقة غير موجودة بدليل توجس كل فريق من الآخر. لم يعد خافياً ان سبب التأجيل عدم وضوح رؤية التأليف. في آخر اتصال بينهما عشية موعد الاستشارات كان رئيس الجمهورية ميشال عون تمنى على الرئيس سعد الحريري الاجتماع للتفاهم على الخطوات التي ستلي، ففضّل الحريري بحثها هاتفياً.
في الأساس لم تصفُ النفوس بعد بين الحريري وعون و”الوطني الحر” بدليل ان الحديث بينهما لم يكن إيجابياً بالحجم الذي تم تظهيره للإعلام. خرج الحريري يقول لمحيطيه ان عون نصحه بالاجتماع الى جبران. بنى عون نصيحته على حاجة الحريري الى فريق مسيحي يدعم ترشيحه، ففي رأيه لا يمكن لمرشح ان يبلغ التكليف من دون تأييد “القوات” أو “الوطني الحر”. فكان جواب الحريري: سبق وأنشأتم “اللقاء التشاوري” كبديل عني، أما أنا فتدعمني كتلة سليمان فرنجية التي تتمتع بشرعية مسيحية وعددها أكبر من عدد “اللقاء التشاوري”.
وانطلاقاً من هذه النظرية نشط نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي ونقل للحريري أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يمنحه صلاحيات استثنائية لحكومته لكنه سيعمل على تسريع وتيرة البت بمشاريع القوانين بأن تحال مباشرة على الهيئة العامة وليس على اللجان. إيجابية بري منحت الحريري جرعة معنويات عالية استتبعت باتصال اجراه برئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط بناء على نصيحة وسطاء من “تيار المستقبل” و”الاشتراكي” فنال تأييد جنبلاط لتكليفه، وأمّن بذلك ما يشبه حلفاً رباعياً جديداً (سني شيعي درزي ومسيحي من خلال زعيم بنشعي).
وبالموازاة كبر عدد ناصحيه بعدم الاجتماع مع باسيل و”تعويمه” لاسيما بعد الخطاب الناري الذي أطل من خلاله في ذكرى “13 تشرين”، فبادر رغم ما تعرض له على لسان جنبلاط إلى الاتصال به وأصر في المقابل على عدم التواصل مع باسيل، خصوصاً وأنّ الحريري يرى أنّ وضعية جنبلاط تختلف عن باسيل، فهو يمثل طائفة بذاتها والخيار البديل غير ممكن، فضلاً عما يجمعه مع رئيس “الاشتراكي” من علاقة عائلية تاريخية.
تقبل الحريري قرار تأجيل الاستشارات وإن كان داعموه يتمنون لو حصلت الاستشارات أمس “لكن اما وقد ارجئت فهذا لن يبدل في مجريات الامور، فلا هو بوارد سحب ترشيحه ولا التأجيل سيؤثر على استمرار تمسكه بالمبادرة الفرنسية، ولا التعطيل كان خلاصاً ممكناً للمشاكل”.
يدرك الحريري أنّ التأجيل سببه عدم الاجتماع بباسيل لغاية اليوم لكنه يرفض التعليق على مسألة اللقاء من عدمه لأنه لم يُكلّف بعد، سلوك يستند إليه المتوجسون من تكليفه للاستدلال على وجود نية مبيتة لديه للاحتفاظ بالتكليف مهما طال الزمن حتى يقضي على العهد العوني نهائياً.
كذلك، يدرك “حزب الله” حجم المشكلة الواقعة بين الحريري و”التيار الوطني الحر”، وأنّ إرجاء الاستشارات سببه عدم لقاء الحريري بباسيل، لكنّ “الحزب” لا يجد مبرراً لتدخله على خط التقارب بينهما ولو أنه نصح الحريري وقال له الكلام ذاته الذي ابلغه للفرنسيين ولمصطفى اديب، بضرورة احترام الكتل النيابية وتمثيلها، ويبدي من هذا المنطلق حرصاً على اجتماع يعقد بين الجانبين لكنه لا يرى أنّ دوره يقتضي منه لعب دور الوسيط بينهما.
في خلاصة موقفه، لم يطلب “حزب الله” تأجيل الاستشارات لكنه وجدها خطوة مفيدة لإجراء مزيد من المشاورات مع الحريري وإزالة العراقيل من امام التكليف والتأليف معاً. فـ”حزب الله” الذي شرع في التشاور معه حول الورقة الإصلاحية لم يستكمل التوافق بشأنها بعد، فما هو موضع نقاش يحتاج لأكثر من جلسة لكن المسألة لا تزال بالنسبة إليه هي ذاتها: ما أعطاه لأديب يعطيه للحريري وما لم ينله أديب لن يكون للحريري.