كتب جورج بشير في صحيفة الجمهورية:
استغرب كثيرون أن تتضمن اللائحة التي وضعها نادي رؤساء الحكومات السّابقين إلى رئيس الجمهورية ميشال عون والنواب، إسم محمد الحوت رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط.
طبعًا لم يقصدوا عند وضع إسم رئيس الميدل إيست المرحوم محمد الحوت الذي سُمّي أحد شوارع بيروت بإسمه. ليس لأنّ هذا المرشح الشاب لا يستأهل أن يكون رئيسًا للوزراء فحسب، بل لأنّ اختياره وترشيحه، من بين عشرات الأسماء التي استعرضها أركان هذا النادي المؤلف من سياسيين مخضرمين إلى جانب إسم السفير مصطفى أديب، عرفه رؤساء الحكومات السابقون وخبروه جيدًا، منذ أن كان أحد كبار معاوني الدكتور رياض سلامه حاكم مصرف لبنان منذ بداية عهد الرئيس الياس الهراوي.
عادت الأسئلة إلى الدّوران في الوسط السّياسي والشّعبي، عندما حطّت على أرض مطار بيروت الدّولي طائرة عملاقة بالغة الحداثة من صنع شركة إير- باص العالمية في تولوز. ثمنها ملايين الدولارات لتنضمّ إلى مجموعة الطائرات العملاقة التي يتألف منها الأسطول الجوي للميدل إيست في جو إقتصادي وإجتماعي مكفهرّ يخيم على لبنان. طبعًا ليس من الطبيعي أن يشتري لبنان طائرة من هذا النوع ويدفع هذا الثمن المرتفع، وهو يعيش مع شعبه الضائقة، فيما جريمة تفجير مرفأ بيروت ما زال جمرها تحت الرّماد، وجائحة الكورونا تنتشر في البلد بحرية، يقول بعضهم.
قصة هذه الطائرة لم تبدأ اليوم، خصوصاً أنّ طائرة ثانية مماثلة في طريقها قريبًا إلى بيروت، كانت الميدل إيست أوصت عليها سنة 2012 من ضمن صفقة موّلها بنك صيني بفائدة متدنية، تضمّن عقد الشراء من شركة «إير – باص»، بندًا يلزمها دفع قيمة العقد عشر مرات للميدل إيست، في حال إكتشاف دفع أية عمولة بأي مبلغ لأي كان. وتزويد الشركة اللبنانية بهذا الأسطول الجوي الحديث، وضعها في مستوى شركات الطيران الأولى في المنطقة.
مع ذلك، فإنّ في داخل السلطة من يضغط لمبادلة نجاح رئيس هذه الشركة، ببتعيين آخرين طمعًا بمراكز النفوذ، مع كون خزينة الدولة لم تتكبّد دولارًا واحدًا من موازنتها للشّركة اللبنانية، التي تحولت من شركة مشلولة خاسرة إلى مؤسسة نشيطة ناجحة ورابحة، لكن ما العمل مع الباحثين عن مراكز النفوذ الرئاسية؟!.
مؤسسة مصرف لبنان المنتشرة في بيروت إلى سائر المدن اللبنانية، هي منذ سنوات في موقع الدائن بالنسبة للدولة اللبنانية، التي يُقرر مجلس وزرائها بالإجماع الإستدانة عبر هذا المصرف وبواستطهـ مليارًا أو أكثر كل سنة، بموجب سندات على الخزينة اللبنانية من مؤسسات عربية ودولية، مستخدمًا الثقة التي للبنان ولحاكم المصرف المركزي رياض سلامة لدى تلك المؤسسات، التي تستجيب مع القطاع المصرفي اللبناني لطلب حكومة لبنان، الذي ينقله رسميًّا إلى الحاكم وزير المالية اللبناني، وتصدر السندات على الخزينة بإسم المدين، الذي هو حكومة لبنان، كون هذه الحكومة، وأية حكومة، تعدّ المشاريع الإنمائية والعمرانية التي تلتزم في طلب القرض بتنفيذها لمصلحة الشعب، من بناء سدود، ومشاريع إجتماعية وكهرباء وماء وطرق وشبكات للإتصالات وما شابه. وبموجب سندات الخزينة التي تؤلف هذه القروض تصبح هذه الحكومة اللبنانية بموقع المدين.
هكذا دواليك، تكرّ سبحة طلب القروض وتتكدّس المليارات دينًا داخليًا وخارجيًأ على الدولة اللبنانية (حوالى 100 مليار دولار) ويُفاجأ اللبنانيون لدى إستحقاق الدين بعجز الخزينة اللبنانية عن الوفاء بإلتزاماتها تجاه الدائنين. وبعد ذلك، وهنا الطامة الكبرى، بدلًا من أن تُجنّد أجهزة الرقابة والتفتيش لدى الدولة وتُكلّف مؤسسات رقابية أجنبية، إذا عجزت المؤسسات اللبنانية المماثلة عن الكشف عن مصير الأموال المقترضة والمشاريع التي أُنفقت أموال القروض على تنفيذها وعن كيفية إهدار هذه الأموال التي التزم لبنان بإعادتها إلى أصحابها الدائنين، يُفاجأ اللبنانيون والدائنون بتكليف مؤسسة تدقيق أجنبية بمراجعة من توسّط، أي مصرف لبنان، بناء لقرار مجلس الوزراء والكشف «الجنائي» على دفاتره وأوراقه وحساباته، وهذا أمر جيد رحّب به الوسيط، رغم تجاهل حكومة لبنان لدور الوزارات والمجالس والمؤسسات والدوائر التي تصرّف المولجون عليها، والطاقم السياسي الذي نفّذ عبر الوزراء والحكومات والمجالس ومعهم الطاقم السياسي، المشاريع الموعودة، وأنفقوا تلك المليارات. وبدلًا من الكشف الجنائي على كل هؤلاء، كونهم يمثلون المدين، توجّهوا إلى الدائن وإلى الوسيط، ربما من باب «اللياقة والوفاء»، وخوفًأ من إكتشاف الفاسدين والشافطين الحقيقيين للمال العام، وإخضاعهم، هم للمساءلة والمحاسبة، والأسماء على كل شفّة ولسان.
قاعدة محاسبة الدائنين بدلًا من محاسبة المدينين قاعدة جديدة، ليست متبعة في أي مكان أو زمان ما عدا في لبنان..؟