Site icon IMLebanon

حاجة ماسة إلى رؤية وطنية لبنانية شاملة

كتب بسام ضو في صحيفة الجمهورية:

تلحظ المرحلة الحاضرة المزيد من التعقيدات الداخلية – الإقليمية – الدولية، وبالتالي باتَ لِزامًا على كل المناضلين الشرفاء التفكير مليًا وإعداد خطّة من شأنها حصريًا تحديد كل مرتكزات ومتطلبات رؤية سياسية، أو بالأحرى، وفق العلم السياسي، منظومة سياسية تطبِّق كل مستلزمات السيادة الوطنية لإعادة بناء دولة أفسدتها سياسة انتهجتها طبقة سياسية فاسدة ومُفسِدة.

كباحث سياسي وسبقَ لي أن اشتركت في أكثر من ندوة تحمل نفس المضمون، علينا أولاً البدء بتحديد مفهوم العمل السياسي الحر إنطلاقًا من شرعة حقوق الإنسان والقوانين الدولية واللبنانية الداخلية كنقطة انطلاق لفهم الوضع السياسي القائم خلافًا للنظام الديمقراطي الذي شَوّهَته تلك الطبقة السياسية. والهدف من القراءة الموضوعية العلمية، وفق رأي كل من راجعته في الأمر، قراءة متأنية لواقع الحال بهدف التغيير وليس الاستنساخ.

بعد العديد من المراجعات التي قمنا بها، سواء على صعيد الداخل اللبناني أو الإغتراب اللبناني أو المجتمع الدولي، خلصنا إلى مقولة ردّدتها سائر القوى المذكورة «الوحدة ضرورة لا غنى عنها»، وأضيف عليها إيّاكم أيّها المناضلون وعمليات التضليل التي تنتهجها السلطة القائمة… عمليًا، وبعد أن أجريت العديد من الدراسات مع زملاء أكاديميين تظهّر لنا أنّ استراتيجية السلطة تقوم على تجزئة الرأي العام ومحاولة عميقة لتبديد الهوية اللبنانية وتفتيت الكيان اللبناني، بخاصة سياسة ضرب الصيغ الديمقراطية وكان آخرها قانون الإنتخابات الذي أجريَتْ على أساسه الإنتخابات الأخيرة وأفرز مجلسًا نيابيًا مِطواعًا بين أيدي من يمتلكون السلاح والمال والذين يُخالفون القوانين الدولية واللبنانية عمدًا. إضافةً إلى هذا الأمر الخطير، تبيّن لنا ظهور الخلافات السياسية بين المكوّنات السياسية اللبنانية والتي تفاقمت مع العهد الحالي، وتَحوُّل تلك السلطة بشكلها ووظائفها الحالية إلى وسيلة لإبقاء الوضع القائم على ما هو عليه وإلى ميدان تنافس لا شرعي والنفوذ تحت وطأة الوصاية الإيرانية وغيرها من الوصايات التي اتّخذت من الساحة اللبنانية ورقة ضغط، إضافةً إلى عدم قدرة الخيارات والإستراتيجيات المعتمدة من تلك السلطة على شَق مَسار وطني سليم حر يُعيد إعادة بناء الدولة اللبنانية على الأسُس السليمة. كما لاحظنا أمرًا خطيرًا يتناقض مع مبدأ دستوري ورد في مقدمة الدستور، وتحديدًا الفقرة /ج/، أي استمرار نهج الإقصاء وقواعد لعبة رخيصة قائمة على الهيمنة والتفرُّدْ وعدم القناعة بالشراكة السياسية والتعددية، وهذا ما عَزّز وجود طرف أولويته مصادرة القرار السياسي السيادي وبعض النصوص الدستورية، وألزم المجتمع الدولي على التفاوض معه خوفًا من ممارسة أعمال إرهابية بحقّ بعض القوى المتواجدة على الأراضي اللبناني، سواء أكانت بعثات دبلوماسية أو وحدات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان.

ولا حاجة للتذكير بما حصل في ما خَصّ موضوع الترسيم الحدودي بين الدولتين اللبنانية والإسرائيلية من اقتصار الطرف اللبناني على المكوّن الشيعي، وهذا لا يعني أننا لا نثق بمَن انتدبَته قيادة الجيش، ولكن هناك خرقًا دستوريًا فاضحًا لناحية التعدّي على صلاحيات رئيس الجمهورية، علمًا أنّ هناك إخراجًا على يد رئيس مجلس النوّاب بإحالة الملف إلى رئاسة الجمهورية بحجة احترام المادة 52 من الدستور، إضافةً إلى عدم ضم الوفد اللبناني أحد الباحثين، وهو الدكتور عصام خليفة.

ثمّة حاجة مُلحّة لرؤية وطنية شاملة لتحقيق استعادة السلطة من كنف خاطفيها عبر خطة عملية تدريجية خلال فترة انتقالية تفرضها التعقيدات السياسية – الأمنية – الإقتصادية – الإجتماعية الناجمة عن هذا النظام الفاسد، وتشمل هذه الرؤية التوافق على ملفات أساسية بين المناضلين، والشروع في عملية تنفيذ تدريجية لِما يُتّفق عليه بموجب آليات محدّدة وجدول زمني متفق عليه لكل المرحلة. كما يشكِّل إطلاق حوار وطني شامل حول خطوات وإجراءات خطة العمل، في حين علينا التركيز على إعادة بناء الشرعية الوطنية من خلال المؤسسات الدستورية المدنية والعسكرية، وهي الركيزة الأساسية والأوليّة للمرحلة الإنتقالية.