كتب صحيفة “الجريدة الكويتية”:
بعدما اتضحت الرؤى السياسية لعملية تكليف رئيس جديد للحكومة، قرر رئيس الجمهورية ميشال عون قبيل ساعات من انطلاق الاستشارات النيابية تأجيلها إلى الأسبوع المقبل عازياً السبب إلى غياب “الميثاقية” بسبب عدم نيل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري موافقة الكتل المسيحية الوازنة.
على الرغم من الجهود التي قامت بها كتلة “المستقبل” ولقاءاتها مع الكتل النيابية الأخرى، إضافة إلى الاتصالات التي تولاها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وفريقه السياسي، تبين أن استحقاق التكليف والتسمية ليس ناضجاً بعد؛ فبينما كان من المتوقع أن يخرج الرئيس الحريري من الاستشارات النيابية في قصر بعبدا، أمس، رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة، توقف كل شيء وعادت الامور الى النقطة “صفر” مع اعلان رئيس الجمهورية ميشال عون، مساء امس الأول، إرجاء الاستشارات اسبوعا.
خطوة الرئيس المفاجئة شكلت ضربة للمبادرة الفرنسية ومساعي باريس في إعادة فرض الحريري رئيساً للحكومة بعدما دخلت خلال الساعات الماضية بثقلها على خط الأزمة محاولة تليين مواقف بعض الأطراف لمصلحة زعيم “المستقبل”.
وتساءلت مصادر دبلوماسية متابعة عن “ردة الفعل الفرنسية تجاه تأجيل الاستشارات”، مبينة أن “صبر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بدأ ينفد، وهو بصدد جمع المسؤولين عن الملف اللبناني في الإليزيه خلال الساعات المقبلة لأخذ موقف متشدد يحمّل خلاله الأطراف المعرقلة مسؤولية فشل تشكيل الحكومة”.
واعتبرت المصادر أن “الرئيس الفرنسي فوجئ بموقف بعبدا من الاستشارات بعد الإشارات الايجابية التي كان يضخها بعض المقربين من رئيس الجمهورية، وتحديداً مستشاره الوزير السابق سليم جريصاتي، الذي التقى قبل يومين بمسؤولين في السفارة الفرنسية، وأبلغهم موقف عون الإيجابي من مجمل التطورات الحكومية”، مختتمة: “هل تسحب باريس يدها من المستنقع اللبناني وتحفظ ماء وجهها أو تغوص أكثر وتغرق في تفاصيل المناكفات اللبنانية؟”.
«الميثاقية»
وكشفت مصادر متابعة لـ”الجريدة”، أن “أحد أبرز أسباب الإرجاء هو موضوع الميثاقية لناحية عدم تبني تكتلَي لبنان القوي والجمهورية القوية لاسم الرئيس الحريري، أي عدم نيله مواففة الكتل المسيحية الوازنة”.
وأشارت المصادر إلى أن “هدف التأجيل توفير مناخات إيجابية للتأليف كي لا يتم أسر البلاد بين حكومة تصرف أعمال ورئيس مكلف لا يؤلف”، مؤكدة أن “الرئيس عون حريص على توفير أكبر عدد من التأييد النيابي للرئيس الذي سيكلف التشكيل، نظراً لأهمية ودقة المهمات المطلوبة من الحكومة في المرحلة المقبلة، والتي تتطلب توافقاً وطنياً عريضاً وليس تشرذما”.
ولفتت إلى أن “التيار الوطني الحر رأى أن التسمية حصلت بمعزل عن المسيحيين، وأن التأليف سيحصل بين السنة والشيعة، وهذا ما لا يجب ان يمر، من هنا طلب رئيس التيار النائب جبران باسيل بشكل حثيث من الرئيس عون تأجيل الاستشارات”.
وكان باسيل قال في “تغريدة” مساء أمس الأول:”لكل من يتفلسف ويتكهّن ويراهن: مع احترامنا لقرار تأجيل الاستشارات النيابية فإنّ هذا لن يغيّر في موقفنا”.
بري يرفض التأجيل
وجاء قرار الرئيس اللبناني بالتزامن مع معلومات عن “ضغط فرنسي كبير لمنع تأجيل الاستشارات”، وهو ما انعكس على موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أكدت مصادره فور إعلان قصر بعبدا التأجيل أنه “ضد ترحيل الاستشارات النيابية، ولو يوماً واحداً”.
وكانت باريس دخلت على خط “الاستشارات”، فحصل اتصال بين مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط باتريك دوريل ورئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط بهدف إنجاح المبادرة الفرنسية وإقناع الزعيم الدرزي بالسير بتسمية الحريري.
وقالت مصادر سياسية متابعة إنه “فور انتهاء اتصال المسؤول الفرنسي بجنبلاط بادر الحريري واتصل بالزعيم الدرزي” وعرضا في “أجواء من الصراحة والوضوح عدداً من النقاط الأساسية المتعلقة بالاستحقاق الحكومي”، بحسب بيان صادر عن مفوضية الإعلام في الحزب “التقدمي الإشتراكي”.
وكشفت المصادر أن “زعيم المستقبل وعد جنبلاط بإعطائه حصة وازنة في الحكومة الجديدة، عبارة عن وزارتين وازنتين، وهذا ما حلحل موقف جنبلاط وجعل اللقاء الديمقراطي مقبلا على تسمية الحريري”، مشيرة إلى أن “الوزارتين قد تكونان الصحة والشؤون الاجتماعية”.
وفيما تشهد الساحة اللبنانية اختلافاً حول طبيعة الوفد الذي شارك في مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل أمس الأول، وتحديداً بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أمس، الحكومة اللبنانية إلى “مواصلة المفاوضات لإنهاء قضية الحدود البحرية”، معتبراً أن ذلك “ربما يشكل قاعدة لسلام حقيقي بالمستقبل”.
وقال نتنياهو: “بدأنا اتصالات مع لبنان للتفاوض حول الحدود المائية لما له من دلالة اقتصادية… أدعو حكومة لبنان إلى مواصلة هذه الاتصالات لإنهاء قضية الحدود المائية، ولربما في المستقبل يأتي يوم ليشكل ذلك قاعدة نحو سلام حقيقي”، متابعا: “لا سلام مع لبنان ما دام حزب الله مسيطراً عليه، وسنواصل مواجهة حزب الله، ومحادثات ترسيم الحدود قد تحدث تصدعاً في سيطرة هذا الحزب على لبنان”.
في السياق، يواصل مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينك جولته السياسية على مختلف القوى السياسية؛ فبعد لقائه، أمس الأول، بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، التقى المسؤول الأميركي، أمس، الرئيس برّي وجنبلاط.
وتوالت المواقف الدولية المرحبة بانطلاق مفاوضات ترسيم الحدود، ففي وقت كان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، يان كوبيتش، يزور الرئيس نبيه برّي للتشاور ما بعد جلسة التفاوض الأولى، كان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ستيفان دوجاريك، يعلن أن “غوتيريش رحب بانطلاق مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل في مقر اليونيفيل في الناقورة جنوب لبنان”.
وأكد دوجاريك أن “الأمم المتحدة ملتزمة دعم الأطراف في المناقشات على النحو الذي يطلبونه”.