كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
رفضَ رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط استقبال وفد كتلة «المستقبل» برئاسة النائب بهية الحريري لطرح ترشيح رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لرئاسة الحكومة والمشروع الذي يحمله، لأن «ليس هكذا يُعامل وليد جنبلاط». كذلك لم يحضر رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل اللقاء بين وفد «المستقبل» وتكتل «لبنان القوي»، بينما استقبل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الوفد في معراب، ولم يصدر عن «القوات» رسمياً أو عبر مصادر مواقف اعتراضية على عدم زيارة الحريري لجعجع أو رهنها تسمية الحريري في استشارات التكليف بهذا اللقاء أو التواصل. وعلى رغم أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم يَعزُ تأجيل استشارات التكليف الى غياب «الميثاقية»، إلّا أنّ مصادر قريبة من الحريري تعتبر أنّ موقف جعجع بعدم التسمية مع موقف باسيل المماثِل أدّيا الى هذا التأجيل.
يبدو أنّ لوم «المستقبل» لـ»القوات» يتجدّد على الموقف من الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس تأليف الحكومة، وهذه المرة ليس على عدم تسمية الحريري بل على عدم التسمية في المطلق. فعلى رغم إعلان «لبنان القوي» و»الجمهورية القوية» عدم تسمية الحريري في الاستشارات التي كان من المُقرّر إجراؤها أمس الأول، إلّا أنّه كان متوقعاً أن ينال الحريري أصوات أكثرية نيابية، وبالتالي أن يُكلّف تأليف الحكومة المقبلة. وفي حين أنّ نتائج استشارات التكليف ملزمة لرئيس الجمهورية ولا يُمكنه اتخاذ أي قرار في شأنها أو رفضها، إتخذ عون خطوة استباقية وأرجَأ هذه الاستشارات أسبوعاً الى الخميس المقبل في 22 من الجاري، وذلك «بناءً على طلب بعض الكتل النيابية لبروز صعوبات تستوجب العمل على حلّها»، بحسب بيان صدر عن رئاسة الجمهورية، من دون أي توضيح آخر.
وفي حين يلتزم الحريري الصمت حيال هذا التأجيل من دون سحب ترشيحه، تستغرب مصادر قريبة منه موقف «القوات» لجهة عدم تسمية أحد لترؤس الحكومة، فيما كانت قد سَمّت الديبلوماسي نواف سلام في الاستشارات السابقة. وتعتبر هذه المصادر «أنّ قول «القوات» إنّها لا تجد أنّ هناك أحداً يَستأهِل أن يتبوّأ هذا المنصب هو أمر غير عملي وغير مفهوم ولا علاقة له بالعلم السياسي، إذ كان يُمكن أن تقرّر عدم المشاركة في الاستشارات أو مقاطعتها، أمّا أن تشارك ولا تسمّي أحداً فهذا يُفسّر أنها لا ترى أحداً في الطائفة السنية على رغم أنّ علاقتها بها باتت جيدة».
كذلك تعتبر هذه المصادر أنّ «موقف «القوات» هذا أتاح لرئاسة الجمهورية أن تجد أسباباً معقولة لتأجيل الاستشارات، إذ إنّ أكبر كتلتين مسيحيتين لا تريدان تسمية أحد، فيما لو سَمّت «القوات» شخصية لسقطت هذه الحجة وكُلِّفت الشخصية التي تحظى بتسمية أكثرية نيابية، مثلما كُلِّف الرئيس حسان دياب على رغم من أنّ 6 نواب سُنّة فقط سَمّوه في الاستشارات».
هذا المنطق ترفضه «القوات»، فهي «لديها نظرة مبدئية لا يُمكن أن تتبدل بين جلسة وأخرى تبعاً لموقف هذا الفريق أو ذاك، أو لكي لا تعطي حجة أو ذريعة لأحد، وهي ليست مضطرة الى اتخاذ موقف مخالف لاقتناعاتها لكي لا تعطي غيرها حجة يتمسّك بها»، وفق ما تقول مصادر معراب، موضحة أنّ «طرح الحكومة المستقلة ليس بجديد لدى «القوات» بل إنّ جعجع طرحَه منذ 2 أيلول 2019، فضلاً عن أنّ «القوات» تكرّر في كلّ مواقفها أنّ أي حكومة بمعزل عمّن سيكون رئيسها لن تتمكن من أن تنجز في ظلّ الأكثرية الحاكمة»، مشيرةً الى أنّ «رهان «القوات» هو على سقوط المجلس والانتخابات المبكرة وليس على الحكومة، لأنّ أي حكومة سيعرقلها الفريق القائم».
أمّا بالنسبة الى قرار «القوات» عدم التسمية «فيأتي لأنّها لا تريد أن تُسمّي الحريري، وفي الوقت نفسه يلتزم جعجع، احتراماً للصداقة مع الحريري، عدم تسمية أي شخصية لرئاسة الحكومة في وجهه حين يكون مرشحاً. ففي الاستشارات النيابية الملزمة التي سبقت تكليف دياب لم تُسمِّ «القوات» أي شخصية لأنّ اسم الحريري كان مطروحاً لترؤس الحكومة، أمّا في الاستشارات التي أفضَت الى تكليف الرئيس المعتذر مصطفى أديب فقد سمّت «القوات» الديبلوماسي نواف سلام لأنّ الحريري لم يكن مرشحاً، ولم يقبل جعجع تسمية أديب على رغم تمنّي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنطلاقاً من اعتبار أنّ أي حكومة غير مستقلة عن السياسيين ستفشل، ولأنّ فريق 8 آذار متمسّك بأن يكون في صلب هذه التشكيلة وأن يسمّي وزراءه».
وإذ تؤكد المصادر نفسها أنّ «القوات ليست مضطرة الى أن تقاطع الاستشارات أو أن تسمّي أحداً»، تشير الى أنّه «لم يصدر أي بيان رسمي عن القصر الجمهوري يفيد أنّ الاستشارات أُجّلت لغياب الميثاقية»، وإذ تلفت الى أنّ الرئاسة أعلنت أنّ التأجيل حصل بناء على طلب بعض الكتل، أكدت أنّ تكتل «الجمهورية القوية» كان سيُشارك في الاستشارات بنصاب كامل ولم يطلب التأجيل».
أمّا بالنسبة الى اعتبار أنّ عدم تسمية شخصية لترؤس مركز الرئاسة الثالثة «رسالة سلبية الى الطائفة السنية»، توضح مصادر «القوات» أنّ «عدم التسمية ليس من طبيعة طائفية بل هو من طبيعة وطنية، وأنّ «القوات» لا تعترض على موقع رئاسة الحكومة بل على الأكثرية». وتشير الى أنّها «لم تعترض و»التيار الوطني الحر» على مسألة تسمية الرئيس المكلف لاعتبار مسيحي، كذلك لم يحصل تنسيق بينهما، فلكلّ منهما اعتباراته ووجهة نظره المختلفة عن وجهة نظر الفريق الآخر حيال هذا الموضوع. وبالتالي، إنّ من يَدّعي أنّ المسألة ميثاقية أو طائفية إنما يريد حَرف النقاش عن أهدافه».
أمّا إذا كانت هذه «رسالة حريرية» لجعجع لتبديل موقفه من استشارات التكليف، فتؤكد المصادر «أنّ «القوات» من حقها أن تتصرّف بما يُمليه عليها ضميرها واقتناعاتها، وهي غير مضطرة الى أن تتصرف تِبعاً لِمَن يريد أن يأخذ موقفها ذريعة، وأيّ طرف لا يُمكنه أن يبدّد موقفها». وتشير الى أن «لا مشكلة مع «المستقبل» بل مع الفريق الحاكم الذي لا أمل يُرجى معه. لكن بالنسبة الى «المستقبل» يجب اقتناص أي فرصة لإنقاذ البلد، فيما بالنسبة الى «القوات» يجب عدم مَنح الفريق الحاكم أي فرصة لأنّ هناك استحالة للإنقاذ معه، والدليل الى ذلك تأجيل الاستشارات حيث يعتمد هذا الفريق «التَكتَكة» السياسية في ظروف كارثية».