كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لا أحد يدري فعلاً، ما الذي سيتغيّر حتى يوم الخميس المقبل، الموعد الثاني للاستشارات النيابية الملزمة. رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل سارع فور صدور بيان التأجيل عن قصر بعبدا إلى التأكيد أنّ موقفه ثابت ولن يتغيّر ازاء تسمية رئيس “المستقبل” سعد الحريري رئيساً للحكومة، ما يعني أنّ “التيار” لن يقفز من ضفّة رافضي فكرة أن يترأس سياسي حكومة اختصاصيين، إلى الضفّة المقابلة التي تجمع كلاً من “تيار المستقبل”، الثنائي الشيعي و”الحزب التقدمي الاشتراكي”.
ولا أحد يستطيع فكّ أحجية الخطوة المنتظرة. هل هو مجرّد اتصال هاتفي بين بيت الوسط وميرنا الشالوحي من شأنه أن يعيد الاعتبار الى باسيل ويكسر الجليد ويعيد وصل ما خرّبته تجربة الماضي المريرة؟ أم هو التفاهم المرجو على التأليف والذي يفترض أن يسبق التكليف؟ أم هو البحث عن مخرج لائق يعيد “الوطني الحر” إلى بيت الطاعة الحكومي؟
الثابت الوحيد ازاء هذه التساؤلات هو أنّ الحريري لا يجد حراجة في الانتظار. يجزم المحيطون به بأنّ تأجيل موعد الاستشارات لن يحرجه ولن يدفعه إلى الاعتذار، وبأنّ العقدة العونية لن تحمله على طلب رقم جبران باسيل أسوة بما فعله مع رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط. بالنسبة لهؤلاء فقد قام الحريري بما يفترض أن يقوم به من اتصالات ولقاءات، وليس هناك ما يزيده.
على خلاف الكثير من المرّات التي كان يعاني خلالها من توتر العلاقة مع رئيس “الوطني الحر”، لا يبدي الحريري في هذه الجولة أي قلق أو خشية من الاكتفاء بالصمت والتفرّج. لعل الدعم الذي لقيه من رئيس مجلس النواب نبيه بري ووليد جنبلاط، هو الذي يزيده هدوءاً. الأرجح أنّ الرجلين يشجعانه على “التطنيش” وترك “التيار” في مهبّ الانتقادات التي يتعرض لها جراء الدفع باتجاه تأجيل الاستشارات، وهي مرشحة للتفاقم اذا ما كرر قصر بعبدا المحاولة ورحّل الاستشارات إلى ما بعد الخميس المقبل. وكلها احتمالات واردة طالما أنّ “التيار” لا يزال خارج جنّة الحريري الحكومية.
حتى الكلام عن دور خفيّ لـ”حزب الله” في هذا الشأن، تولى النواب العونيون بأنفسهم نسفه. قال النائب جورج عطالله أمس بصريح العبارة إنّ “الاتفاق الذي تم بين الثنائي الشيعي وجنبلاط والحريري على حساب المسيحيين لن يمر. و”حزب الله” هو ضمن الـ DEAL الحكومي الذي حصل وهذه ليست المرة الوحيدة التي يترك الحزب التيار وحده منفرداً بالمعركة”.
هكذا، يصرّ الحريريون على التأكيد أنّهم ملتزمون المسار الدستوري ونتائجه. وما يحكى عن طروحات يتولى “التيار” تسريبها من باب التخفيف من حدة الخلافات تمهيداً للتقارب مع الحريري، لا تلاقي أي ردود فعل ايجابية. إذ تفيد المعلومات أنّ هناك من يطرح امكانية ترؤس الحريري حكومة تكنو سياسية تتمثل فيها الأحزاب، لتكون مدخلاً لجلوس وزير عوني إلى طاولته، لكسر حصرية الهوية السياسية برئيس الحكومة دون سواه.
لكنّ المطلعين على موقف رئيس “المستقبل” يؤكدون أنّ الحريري سيبدأ استشاراته من حيث انتهى السفير مصطفى أديب، ما يعني أنّه لا مكان لأفكار مغايرة من نوع حكومة تكنو سياسية أو غير ذلك. ما يريح الحريري، وفق المواكبين، هو أنّه تفاهم مع الثنائي الشيعي كما مع الحزب “التقدمي الاشتراكي” على تسهيل مهمته في اختيار وزراء اختصاصيين، بعد التشاور معهم. ما يعني أنّه قطع شوطاً كبيراً من التأليف، أقلّه حول هوية الحكومة وطبيعة مكوّناتها ويترك حسم الأسماء إلى ما بعد التكليف. ولكن ماذا عن الوزراء المسيحيين؟
هذه هي معضلة الحريري. فهو يخشى دخول “متاهة” التفاهم مع جبران باسيل، لكنه في المقابل لا يستطيع تجاهل هذا الفريق كلياً طالما أنّ توقيع رئيس الجمهورية على التشكيلة، سيف مصلت قد يحول دون عودته إلى السراي اذا لم يستسلم لشروط “الوطني الحر”، خصوصاً بعدما شرّع باب التفاهم مع بقية شركائه الحكوميين.
في هذه الاثناء، وبانتظار أي تطور حكومي، والأرجح أنّه مستبعد راهناً، كان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر يجول بين المقار الرسمية وغير الرسمية، ليثير من حوله سيلاً من التساؤلات حول مغزى الرسائل التي تقصّد توجيهها في الوقت المستقطع الذي تشهده ادارته. أما أحدث تلك التساؤلات، فقد أحاط باللقاء الذي جمعه للمرة الأولى برئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية على مسافة أسابيع معدودة من ادراج الوزير السابق يوسف فنيانوس على قائمة العقوبات. والأرجح، أنّ الصورة وحدها كانت كفيلة بإحداث بلبلة في الأوساط المسيحية الخصمة.