كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:
لم تصل مساعي جبران باسيل إلى غايتها. لم ينجح في استعمال سلاح الميثاقية في إفشال تكليف سعد الحريري. أول من واجهه كان القوات اللبنانية، التي أعطت الشرعية الطائفية لتكليف الحريري حتى لو لن تسمّه. لم يعد أمام باسيل سوى التأليف. هناك ستكون المعركة قاسية لإنقاذ مكتسباته في النظام.
تحالف رباعي جديد. ليس عن عبث مرّت هذه العبارة، في سياق الخلاف بشأن تكليف سعد الحريري بتأليف الحكومة. قالها أولاً النائب جورج عطا الله، على خلفية «عدم التوجس من حلف كهذا». بدت تلك محاولة عونية لاستنساخ تجربة العام 2005. في ذلك الحين، كان التحالف الرباعي سبباً لتسونامي عوني اكتسح المقاعد المسيحية. محاولة استنهاض المسيحيين لمواجهة «الاستئثار الإسلامي» بتسمية رئيس الحكومة، استكملت بانتشار معلومات على وسائل التواصل الاجتماعي عن «مفاجأة تقلب الطاولة»، مرفقة بصورة لجبران باسيل وسمير جعجع يتصافحان، وبـ«هاشتاغ»: «بدها تضلها جراسنا تدق».
يدرك جبران باسيل أنه لا يمكنه وحده أن يخوض معركة «حماية» الميثاقية. الأمر يتطلب انخراطاً قواتياً. وهذا ما سوّق له عونيون، على أمل أن ينساق مناصرو القوات في الحملة. المفاجأة كانت مختلفة. سريعاً استوعبت قيادة «القوات» الموقف. «يريد باسيل إدخالنا في معركة ليست معركتنا. المسألة الميثاقية ليست عنواناً للصراع على تكليف رئيس الحكومة، ولو كانت كذلك لكنا أول من تصدى لها». تأكيداً على موقفها هذا، وزّعت حسابات قواتية المنشور العوني الذي يشير إلى لقاء قريب بين باسيل وجعجع، لكن مع دمغه بعبارة «fake news» (أخبار كاذبة). بالنسبة إلى القوات، لا سبب واحداً يدعو إلى اللقاء برئيس التيار الوطني، ولا سبب لإحياء اتفاق معراب، الذي تردّد أيضاً أنه سيكون الرد الأنسب على «التحالف الرباعي» المتخيّل. كل ذلك لم يتحقق. أقفلت «القوات» الباب، على اعتبار أن الزمن تجاوز اتفاق معراب. قبل «17 تشرين» وبعده، وبعد الانهيار الذي حلّ بالبلد، وبعد فقدان الثقة بين الطرفين، صار الاتفاق أرشيفاً.
المصادر القواتية تثق بأن «باسيل حاول استثمار موقفنا المعارض تكليف الحريري وتوظيفه تحت عنوان الميثاقية، فيما نحن تعتبر أن تخطّي الميثاق مفهوماً هو تشكيل أي فعل سياسي خطراً على بيئة طائفية محددة، بما يؤدي إلى الانتقاص من دورها في النظام. في حالة التكليف ليس الأمر مطروحاً على هذا النحو. ما هو الخطر في أن يكلف رئيس أكبر كتلة سنية بتأليف الحكومة؟». الرفض القواتي لتسمية الحريري لا ينبع من البعد الميثاقي أو الطائفي، بل «لأسباب وطنية» على ما تقول، ولأسباب مصلحية على ما يقول خصومها، ولاقتناع بأن الحريري لن يستطيع تأليف حكومة بالمواصفات التي تحدّث عنها، في ظل التزاماته تجاه أحزاب ٨ آذار. هذا يعني أن القوات لا تعارض وصوله إلى رئاسة الحكومة، لكنها ترفض أن تكون شريكة في تسميته.
تأكيداً لانتفاء العامل الميثاقي في حالة التكليف، تستشهد المصادر القواتية بجلسة اللجان النيابية المشتركة التي طُرح فيها قانون الانتخاب على أساس لبنان دائرة واحدة، لتشير إلى أن «المسيحيين استشعروا حينها خطراً على الميثاقية وعلى دورهم في النظام، فعارضها التيار والقوات من دون تنسيق». وبناءً عليه، حتى تسويق نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي لوجود ٢٢ نائباً مسيحياً خارج كتلتي القوات والتيار لا يضفي شرعية إضافية على تسمية الحريري، لأن الشرعية مرتبطة بعدد النواب الذين يسمّونه أولاً، لا بطوائف النواب ولا بمناطقهم.
للتذكير، فإن سعد الحريري نفسه هو الذي تحجّج بعدم وجود تأييد مسيحي لكي يرفض إعادة تكليفه بتأليف الحكومة بعد استقالته الأخيرة. وللتذكير، فإن جبران باسيل هو صاحب نظرية أن الرئاسات يجب أن تؤول إلى الأقوياء في طوائفهم.
ليس الأمر بحاجة إلى كثير جهد للإشارة إلى أن المواقف تبنى بما يتناسب مع المصالح. ولذلك، فإن مصلحة الحريري اليوم في تجاوز التأييد المسيحي، ومصلحة باسيل اليوم في عدم وصول الحريري إلى المنصب السنيّ الأول، حتى لو كان الأقوى في طائفته. وتحت عنوان المصالح نفسه انفصل الطرفان، ولا يزالان.
المشكلة، بحسب مصدر سياسي معني، هي الإصرار على بناء المواقف بعقلية ما قبل الانهيار. تلك حالة عامة. لكن التيار الوطني الحر يبدو طليعياً. وإذا كان ثمة من لا يزال يظن أن خطوة كتأجيل الاستشارات يمكن أن تفيد في إطار الصراع السياسي، فإن ثلاثة أيام أثبتت أن الضرر الأول لحق بموقع الرئاسة الأولى، التي وضعت في موقف محرج.
بعد التأجيل وبعد الفشل في إضفاء صبغة طائفية على التكليف، يبدو أن الأمور متجهة نحو تكليف الحريري يوم الخميس، من دون أي تشكيك في ميثاقية التكليف أو في شرعيته الطائفية. لكن هذا لا يعني أن باسيل سيستسلم لإقصائه من قبل الحريري، وعدم وقوف الحلفاء إلى جانبه. لرئيس الجمهورية هامش أكبر في مرحلة التأليف. الفشل الباسيلي في توحيد الموقف المسيحي، بما يفرض على الحريري تقديم التنازلات لم يؤت أكله، كما أن سعيه للوصول إلى حكومة «حليفة» غير مبنية على تحالف موجّه ضده لن يكون ممكناً. وهذا يزيد القلق لدى باسيل، خاصة أنه بالرغم من أن الحكومة هي نظرياً حكومة مهمة لفترة محدودة، إلا أن أحداً لا يضمن أن تستمر إلى نهاية العهد. ومن يضمن عندها أن لا يكون الثلاثي نبيه بري سعد الحريري وليد جنبلاط رافعة لسليمان فرنجية؟
لذلك يدرك باسيل أنه إذا ضاعت فرصة الاستفادة من التأليف لفرض شروطه، فقد لا يجد فرصاً أخرى. ولذلك، يُتوقع أن يكون الرئيس ميشال عون متشدّداً جداً في مرحلة التأليف، في سعي منه للحصول على الثلث المعطّل على الأقل. أسلحة العهد عديدة؛ أولاً سعد الحريري ليس اختصاصياً حتى يترأس حكومة اختصاصيين، وثانياً لا يعقل أن يحصل رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر على أقل مما حصل عليه ثنائي حزب الله وأمل لناحية اختيار وزرائهم. الرئاسة تعتقد أن حكومة السنتين الأخيرتين هي الفرصة الأخيرة لتبييض صفحة السنوات الأربع التي مرّت. وهي لن تفوّتها، حتى لو أدت السقوف العالية إلى اعتذار الحريري.