Site icon IMLebanon

من يملك كلمة سرّ “الإشتباك الطائفي” في لاسا؟

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

فجأة، بلا “أحم ولا دستور”، شاء من شاء وضع منزل جاهز في أملاك مطرانية جونية المارونية. وحين طالبت الكنيسة بحقِها انتفض من انتفضوا معلنين: لا نثق بالقضاء وممنوع دخول القوى الأمنية الى لاسا، والقوات اللبنانية متهمة… فهل هو فصل جديد من حكايات إبريق الزيت في المدينة الجبيلية أم هو اعتداء قد يبدأ “لهوة” (إلهاء) وينتهي فتنة؟

لا نثق بالقضاء. إنه مسيّس. ممنوع دخول القوى الأمنية الى لاسا. فهي طرف لا حكم. نتهم القوات وزياد حواط و…و… وكلام كثير صدر هناك، في لاسا، بينما كان الشيخ أحمد العيتاوي ومجموعة مرافقين يطردون القوى الأمنية من المدينة، ليعود عناصرها فجر البارحة، قبل تسلل الضوء، ويزيلوا الإعتداء عن املاك الكنيسة. فهل انتهى الأمر هنا؟

لا شيء يوحي هناك، في لاسا، أن لا ارتدادات الآن لهذا الفصل الأخير من حكاية الأراضي المتنازع عليها المتمادية، لكن بالنسبة الى غد أو بعده أو ما بعد بعد بعده فلا أحد يدري. فنحن في لاسا، كما في لبنان، في تربة متحركة قادرة أن تبلع “بكلمة سر”، من هنا أو من هناك، أي استقرار.

قبل ستة أشهر بالتمام والكمال، في أيار الماضي بالتحديد، “إستقوت” جماعة شيعية على الكنيسة المارونية التي منحت خمسين عائلة، بينها ثماني عائلات شيعية، حق استثمار أراضيها في هذه الأيام الصعبة. ويومها كتب مسؤول “حزب الله” في لاسا أحمد العيتاوي “يللي حابب يزرع بطاطا بدنا نفرمو متل ما بيفرمو السلاطة”. وصلت الرسالة. ولكن، الكنيسة أعلنت بالفم الملآن رفضها للغة الإستقواء. مرّ القطوع. وها قد تكرر من جديد، بقرار صدر من مكان ما، بوضع بيت جاهز في أرض مملوكة من الكنيسة، وتحديداً من مطرانية جونية المارونية، ورُكّزت في المكان راية حسينية. أليس هذا التصرف رسالة أخرى واضحة كما الشمس؟

شوقي الدكاش، النائب الكسرواني في كتلة الجمهورية القوية، يتحدث عن القانون والقضاء والحق والعدل والعيش معاً ويقول “الأرض ممسوحة بالكامل ومسجلة نهائياً وأي اعتراض يكون ضمن المؤسسات والقضاء لا “بالعنتريات”. وماذا عن اتهام القوات التي لا ناقة لها ولا جمل في القضية؟ يجيب “ليت كل الناس يعرفون كيف عشنا معاً، مسيحيين وشيعة، في لاسا خلال الأحداث. وأتذكر الآن إصرار سمير جعجع، في ذاك الوقت، على توفير كل الحماية الى السكان كي يبقوا في أمان وسلام. عشنا دائماً كبيت واحد. وها نحن نسمع، فجأة، عن دسّ إسم القوات في اعتراض البعض على نزاع قائم بينهم وبين مطرانية جونية. فليحتكموا الى القضاء. وأنا جدّ مقتنع أنه طالما يوجد مؤسسات وقضاء وقوى أمنية فلن يتطور أي خلاف الى فتنة”.

لا فتنة. الآن. لكن، ماذا لو تكرر “الشحن الطائفي” في فترة زمنية مثقلة بالتحديات الكثيرة؟ وماذا عن تلك الأرض الجبيلية المشحونة بالنزاعات التي تتبلور غالباً طائفياً؟

المحامي أندريه باسيل هو وكيل وقف مطرانية صربا المارونية. والمحامي ضياء الدين زيبارة هو الوكيل القانوني للمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى. نقرأ في الموقعين، اللذين يمثلان طرفي النزاع، الشيعة والموارنة! فهل نحن أمام نزاع طائفي كامن وراء نزاع عقاري ظاهر؟

المحامي باسيل يستغرب “كيف يتحول في بلادنا المجنى عليه الى الجاني” ويشرح “هناك شهادات قيد خضراء (سندات ملكية) وهذه العقارات المملوكة من المطرانية ليست ممسوحة إختيارياً وحسب بل نهائياً أيضاً. وملكيتنا ثابتة”. ويستطرد: “تدخل القضاء بعدما ثبت لديه أن الإعتداء على ملكية خاصة”.

المحامي الخصم زيبارة يعرّف عن نفسه “أساهم في إيجاد حلول لملفات لاسا منذ العام 2012 وجلسنا إلى طاولة وزير الداخلية في العام 2013 مروان شربل لحل النزاع على الأراضي”.

نُصغي الى زيبارة الذي سبق وتحدث في بيان أصدره عن “خلافات قانونية تمارسها الكنيسة” وعن استحصال الكنيسة “بالمواربة” و”خلافاً للأصول” و”باستغلال السلطة التي كانت تتمتع بها” على شهادات قيد خلافاً للأصول، وعن “ارتداد الأبرشية” عن اتفاقات سابقة… وطبيعي أن نسأله بعد كل هذه العبارات أننا نشعر وكأننا أمام خلاف شيعي مسيحي، لا أمام خلاف بين أصحاب الحق وهم مطرانية جونية المارونية وسكان في لاسا فيجيب: “القانون يقول ان المجلس الشيعي هو الذي يتكلم باسم ابناء الطائفة الشيعية ويدافع عن حقوقهم، ناهيك ان الكنيسة هي التي سبق وتواصلت في العام 2016 مع المجلس الشيعي الأعلى، عبر المطران عبد الساتر على ما أظن، من اجل دخول المجلس على الخط”.

ما رأي المحامي باسيل في مشهد لاسا اليوم والبارحة وقبل ستة أشهر وفي أعوام 2011 و2013 و2016 وفي كل الخلافات التي تستشري كلما “دق الكوز في الجرة” أو صدرت كلمة سرّ ما؟ يجيب “الكنيسة تطالب كونها مالكة العقارات وليس بالنيابة عن الشعب المسيحي بل هي تطالب بملكٍ خاص، أما المجلس الشيعي الأعلى فيتكلم باسم الطائفة الشيعية وليس عن المالكين المفترضين. من هنا يبدأ الخلل. ومن ميل آخر، نسمع وكيل المجلس الشيعي الأعلى يدافع عن طائفة لا عن موكلين. وإذا كانت الكنيسة تنسق مع المجلس الشيعي الأعلى من أجل عدم سماح البعض باستخدام الطائفة الشيعية في لاسا في تأجيج الخلافات فهذا ليس معناه أنها هي التي طلبت اختصار كل العلاقة القانونية معه. فليس لها الحق في ذلك. وإذا كان لبعض المواطنين في لاسا حقوق فليطالبوا بها في القضاء”.

لكن، زيبارة قال إن المجلس الشيعي الأعلى مخول قانونياً بأحوال طائفته؟ يجيب باسيل “في لقاء سابق مع ممثل المجلس قال لنا: “نتمنى أن يرضى الأهالي على المفاوضات”! وهذا معناه أن لا تفويض من الأهالي له.

من يغص في مشكلة لاسا يعُد الى الوراء أكثر من ثمانين عاماً، اذ يبدأ جميع الأفرقاء في التحدث عن مسح العام 1939 وتظهر البيانات الرسمية من الطرفين وتكثر مسميات شهادات القيد والصكوك الخضراء والمسوحات. في المقابل نسمع من ينادي مجدداً “لا، لا نثق بالقضاء” فما رأي زيبارة؟ بدل أن يجيب يردد: “لا تُقوّليني ما لم أقله. لم أقل أن لا ثقة لي بالقضاء. نحن تحت سقف القضاء. لكن، ثمة اعتراضات منذ العام 2000 من آل حمادة الذين هم شركاء المطرانية ولم يصدر اي قرار بعد”.

زيبارة ينفعل و”يتناسى” كلاماً صدر من قلب لاسا (ممن يقول إنه يمثلهم) عن “اللاثقة بالقضاء” و”رفض دخول القوى الأمنية لاسا”. القوى الأمنية عادت ودخلت ولو فجراً فهل انتهت الأمور عند هذا الحدّ؟ هل يمكن أن تكون لاسا مشروع فتنة؟ يجيب “لا، لا يمكن ان تكون لا لاسا ولا غير لاسا مشروع فتنة. فنحن أكثر الناس تحت القانون، بدليل إزالة البيت. قصة البيت انتهت أما النزاع القضائي فلا”.

انتهت قصة البيت الجاهز في لاسا، الذي رُفعت عليه الراية الحسينية وصورة السيد حسن نصرالله، على أرض مارونية، لكن النزاع لم ينته. يبدو ان ورقة لاسا مطلوبة كما “الجوكر” حين يُستدعى الأمر. في كل حال، ما يثير الريب لماذا قرر، من قرر، وضع بيت جاهز الآن بالذات في أرض، إذا سلمنا جدلاً أنها ليست للكنيسة فهي متنازع عليها؟ لماذا تحرك الآن؟ من دفع ثمن البيت؟ هل هو تقدمة؟ ممن؟ ولماذا لم يتم وضعه في عقار آخر في الأراضي الشاسعة الواسعة؟

نعود الى المحامي أندريه باسيل. هو يستغرب كل الكلام عن قول من يفترض أنهم يفقهون بالقانون بأن “عمر الخلاف من عمر لبنان. وسؤال هؤلاء عن سبب تدخل القضاء الجزائي. هذا القضاء يتدخل حين يكون التعدي فاضحاً على ملكية خاصة” ويستطرد بسؤال: “لا يمكنك بناء بيت بلا رخصة؟ فلنسلم جدلاً أنهم إختاروا أرضاً يملكونها ليبنوا عليها أو ليضعوا بيتاً جاهزاً عليها، فهذا لا يجوز بلا رخصة”. ويجزم باسيل بأن 99 في المئة من اللبنانيين في لاسا، من شيعة ومسيحيين، غير راضين عن كل ما نراه من نزاعات. لا يحق لا للشيعي ولا لسواه إدارة المسائل طائفياً. ويستطرد بالقول “هناك اتهامات ترمى يمنة ويسرة من أجل تضليل الرأي العام”.

هو فصلٌ آخر من فصول لاسا. الحق “مع مين”؟ هو سؤالٌ لا بُدّ منه لكن قضائياً. فليذهب الجميع الى القضاء ولتكن كلمة الفصل. أما من يملكُ كلمة سرّ “الإشتباك الطائفي” فليتمهل لأننا كلنا على تربة موحلة متحركة قد تبلع، عند أي إنعطافة خاطئة، الجميع.