Site icon IMLebanon

لبنان في الطريق إلى استشاراتِ الخميس و… كمائنها

 الخميس لناظره قريب. فبعد غدٍ، إما يتأكد المؤكد لجهة تكليف زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري ترؤس الحكومة الجديدة، أو تُرجأ الاستشارات النيابية مجدداً لينقطع الشكّ باليقين حيال أن فتْح الطريق أمامَها لن يتمّ قبل تبديد «الضوء الأحمر» الذي يسود خط الحريري – رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وإما تُحاك للاستشارات في موعدها «كمائن» ذات أبعاد دستورية وأخرى سياسية على طريقة محاولة إحراج الزعيم السني الأقوى لإخراجه.

هذه السيناريوهات كانت الأكثر تداوُلاً في بداية أسبوعٍ بالغ الأهمية يفترض أن يتحدّد في ضوئه المسار الذي سيسلكه الملف الحكومي ومعه مجمل الأزمة اللبنانية بفتائلها المتداخلة، مالياً ونقدياً واقتصادياً ومعيشياً وصحياً، والتي يشكّل «بؤرتَها» الأصلية انكشافُ البلاد على عَصْفِ الصراع متعدد الساحات في المنطقة وعلى المواجهة الأميركية – الإيرانية واستراتيجية «خنْق حزب الله» عبر عقوبات الحدّ الأقصى التي تتمدّد إلى حلفائه السياسيين.

 

ومع العدّ التنازلي لخميس الاستشارات، حاذرت أوساطٌ سياسيةٌ الجزمَ بمآل جولتها الثانية (كانت الأولى أرجئت الخميس الماضي)، رغم أن الترجيحاتِ بقيتْ لمصلحةِ حصول تكليفٍ للحريري في ظلّ المؤشرات الآتية:

* الاستشعارُ بوجود ما يشبه «ترْخية براغي» الكمّاشة الأميركية حول حكومةٍ برئاسة الحريري بما يتيح «حضوراً ناعماً» لـ «حزب الله» فيها وعن بُعد وفق صيغة التسمية التَشارُكية لاختصاصيين غير حزبيين مع زعيم «المستقبل»، وذلك من ضمن تكليفٍ أميركيّ لفرنسا برعاية قيام حكومةِ مهمةٍ إصلاحيةٍ توقف الانحدارَ الحاد نحو القعر القاتِل وتقطيع المرحلة الانتقالية في واشنطن والتي ستمتدّ لنحو 3 أشهر بعد إجراء انتخاباتِ 3 نوفمبر المقبل.

* الأجواء التي تعكس أن الحريري الذي يتصرّف باندفاعٍ وثباتٍ منذ إعلان تَرَشُّحه «الطبيعي»، يتعاطى تكليفاً وتأليفاً على أن ظهْرَه مغطى من «كاسحة ألغام» فرنسية يقودها الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يشكّل في الوقت نفسه «الخطّ المانِع» أمام تَمَدُّد عصا العقوبات الأميركية على حلفاء «حزب الله» وخصوصاً «التيار الحر»، بحيث أن كل عقدةٍ كأداء تعرقل مهمة زعيم «المستقبل»، الذي يرفع رايةَ المبادرة الفرنسية كبرنامجِ عملٍ لحكومته، ستجعل مَن يقف وراءها يصطدم مباشرة بالاليزيه مع كل لذلك من تداعياتٍ لا بد أن تؤخذ في الاعتبار من زاويةٍ أو أخرى.

* أن «الأسبابَ الموجبةَ» لتأجيل الاستشارات الخميس الماضي والتي ارتكزت في جانبٍ منها على غياب «الميثاقية المسيحية» للتكليف (في ظل عدم تسمية الحريري من الكتلتين المسيحيتين الأكبر التيار الحر والقوات اللبنانية) فقدت من مرتكزاتها (التي اعتُبرت بلا أساس دستوري أصلاً) مع انتقاد الكنيسة المارونية علناً تأخير الاستشارات كما عملية التأليف و«اللعب بالميثاق»، وصولاً إلى إكمال «القوات اللبنانية» نزْع أي ذريعة لتوظيف خيارها «المبدئي» بألا تسمي زعيم «المستقبل» في تبريرِ تأجيلٍ جديد لأهداف لا مكان للميثاقية فيها، وفاصلة بين مفهوم الميثاقية وبين الاستشارات، وهي أكدت بلسان القيادي فيها ريشار قيومجيان «أن مجرد مشاركة نوابها في الاستشارات يُعطيها الميثاقية المطلوبة، سواء سمّى التكتل الشخص الذي سيُكلّف أو لم يسمّه. فلا تخلطوا تعداد أصوات الاستشارات ونتائجها بمبادئ ميثاقية ثابتة». ‫وفي موازاة ذلك، وفيما كان يُنقل بعد ظهر أمس عن أجواء القصر الجمهوري أن لا مؤشّرات لتأجيل الاستشارات «إذا لم يطرأ عامل مستجدّ، ومهلة الأسبوعين التي مُنحت كافية للمشاورات»، فإن 3 نقاط بقيت مدار رصْد:

* الأوّل إذا كان «التيار الحر» الذي حسم أنه لن يسمي الحريري الذي رفض استدراجه إلى تواصُلٍ يفتح بازار «التأليف قبل التكليف» على مصرعيه، سيعمد إلى مفاجأة زعيم «المستقبل» بتجيير أصواتِ كتلته إلى رئيس الجمهورية في تكرارٍ لتجربةٍ سبق أن جرت العام 1998 مع الرئيس اميل لحود وانتهتْ باعتذار الرئيس رفيق الحريري حينها رغم نيْله غالبية الأصوات «المباشرة».

علماً أن عون كان عبّر في محطات سابقة عن عدم القبول بأي تفويضٍ له من النواب يُعتبر غير دستوري، فإما يسمي النواب مَن يريدون أو يمتنعون.

* والثاني إذا كان «حزب الله» حسم خياره بتسمية الحريري أم لا، باعتبار أن عدم قيامه بذلك قد يجعل زعيم «المستقبل» يُسمى بغالبيةٍ لا تصل إلى النصف زائداً واحداً (عدد البرلمان الحالي 120 مع استقالة 8 من أعضائه).

ورغم أن الدستورَ اللبناني لا ينصّ على وجوب حيازة الرئيس المكلف على هذه الغالبية، فإن هذه الإشكالية سبق أن طُرحت بوجه الحريري نفسه بعد استقالته (على وهج ثورة 17 أكتوبر 2019) وقبل تسمية حسان دياب، إذ غمز محسوبون على فريق عون آنذاك أنه لن يوافق على تكليفه ما لم يحصل على أكثرية النصف زائد واحد لأن هذا لا يضمن حصوله على ثقة البرلمان عند تأليفه الحكومة، وهو الأمر الذي يجعل بعض الأوساط ترجّح أن يمنح «حزب الله» أصواته لزعيم «المستقبل» بحال لم تكن هذه الغالبية توافرت من دون كتلته.

* والثالث مغزى مجاهرة «حزب الله» عبر إعلام قريب منه بأنه يتحفّظ بقوة عن بعض شروط صندوق النقد الدولي لبلوغ اتفاقٍ على حزمة إنقاذ مالي معه وأنه لن يترك الحريري طليق اليدين في هذا السياق الذي يشكّل جوهرَ الورقة الإصلاحية الفرنسية، وسط مراوحةِ قراءة هذا التطور بين كونه «ربْط نزاعٍ» مع مرحلة التأليف، وبين اعتباره «طمْأنةً» لباسيل إلى أن الحزب الذي «تخلى» عنه في مرحلة التكليف لن يتركه وحيداً في مسار التأليف «الذي له حسابات أخرى»، وهو ما سيعني بأي حال أن «أشواك» التأليف بدأت بالظهور مبكراً، في ظل صعوبة تَصَوُّر أن يكون ذلك كفيلاً بجعْل الحريري يتراجع عن المضيّ قدماً حتى النهاية.