«الاستشارات ستُجرى في موعدها». عبارة قطعت الطريق على التكهّنات التي أثارها إعلان مكتب رئاسة الجمهورية بأن الرئيس ميشال عون سيتوجّه بكلمة الى اللبنانيين اليوم. لن يُعلن عون عن أيّ تأجيل، لكنه سيطلق موقفاً عالي السقف وسيسمّي الأمور بأسمائها، ما قد يفتح معركة سياسية جديدة في البلاد.
ما الذي سيقوله اليوم الرئيس ميشال عون من القصر الجمهوري؟ هل يؤكّد إجراء الاستشارات النيابية في موعدها، بمعزل عن «ملاحظاتِه الميثاقية» على تكليف الرئيس سعد الحريري من دون أصوات أكبر كتلتَين مسيحيتَين؟ أم يعمد إلى إعلان تأجيلها مع التبريرات ذاتِها التي سبق أن أدرجها في خانة الأسباب الموجبة باعتبارها الحجة الوحيدة التي تفرمِل اندفاعة الحريري وتُجبِره على الاعتراف بالتوازنات الداخلية؟ هذه الأسئلة طغت أمس بعد إعلان الرئاسة عن رسالة سيوجّهها عون الى اللبنانيين، «يتناول فيها الأوضاع الراهنة». وفيما تكتمّت مصادر بعبدا عن سبب هذا القرار ومضمون الكلمة، الا أن المعلومات تقاطعت حول أن عون سيطلق موقفاً عالي السقف ومفاجئاً، من كل الأحداث التي داهمت الساحة اللبنانية في الأسابيع الأخيرة، بدءاً من ملف ترسيم الحدود، وصولاً إلى التطورات المرتبطة بالملف الحكومي. وتدافعت هذه الأسئلة بعد ظهر أمس إثر صدور بيان لـ«اللقاء التشاوري» حسم فيه عدم تسمية «المرشح الوحيد الذي كلّف نفسه بنفسه للمضيّ في السياسات المتبعة دون توضيح سياسته المالية والنقدية والاقتصادية»، علماً بأنه كانَ يتجه سابقاً لتسمية الحريري، ما فتَح بابَ التكهّنات حول ما إذا كانَ هناك من تطورات جديدة سحبت الغطاء عن الحريري. وأضيف إلى البيان مقدّمة النشرة المسائية لقناة «أو تي في» التي فتحت النار في أكثر من اتجاه.
لا شكّ أن كلمة عون ستكون بالغة الأهمية، ويفترض أن يتحدّد في ضوئها المسار الذي سيسلكه الملف الحكومي، ومعه مجمل الأزمة اللبنانية، رُغم أن الترجيحات بقيت لمصلحة حصول تكليف للحريري يوم الخميس، علماً بأن معظم القوى السياسية، باستثناء رئيس مجلس النواب نبيه برّي، تتمنّى تأجيلها. وقد استندت مصادِر سياسية في تأكيد ذلك، إلى مؤشر وحيد، وهو أن الأسباب الموجبة التي استخدمت للتأجيل الأسبوع الماضي والتي ارتكزت على حجة «غياب الميثاقية المسيحية» للتكليف لا أساس دستورياً لها، إضافة إلى سحب «القوات» هذه الذريعة، فاصلة بين مفهوم الميثاقية وعدم تسمية الحريري، في موازاة انتقاد الكنيسة المارونية علناً تأخير الاستشارات كما عملية التأليف و«اللعب بالميثاق». وعليه لن يكون بمقدور عون سوى ترك المجال أمام اللعبة الدستورية لتأخذ مجراها، على أن ينتقل الاشتباك إلى مسار التأليف، في ظل تضارب حسابات القوى الأساسية، حيث ستكون عملية التشكيل شائكة ومعقدة فلا يُفرج عنها قبلَ اتضاح صورة السباق الرئاسي في البيت الأبيض.
وبينما كانَ من المفترض أن تبدأ الاتصالات ليل الاثنين الماضي، كما أشار الرئيس بّري، قالت مصادر مطّلعة إنه «لم يحصل أي تواصل يُذكر»، لكن الأجواء في الساعات الماضية «كانت كلها تؤكّد حصول الاستشارات في موعدها، وأن الحريري ضمن التكليف في جيبه، قبلَ أن يتفاجأ الجميع بالإعلان عن الرسالة التي سيوجّهها عون». وأكدت أوساط فريق 8 آذار أن «الثنائي حزب الله وحركة أمل سمع من الإعلام عن موعد كلمة عون، ولم يتبلّغا أي موقف مسبق، وهما لا يعلمان خلفية الرسالة التي سيطلقها رئيس الجمهورية ولا مضمونها». وأكدت المصادر أن «أحداً لم يتحدث إليهما في أمر تأجيل الاستشارات لا من قريب ولا من بعيد وهما ينتظران ما سيقوله عون».
وقالت المصادر إن «حزب الله لا يتدخل في مسألة الاستشارات ولا موعدها»، وإنه «لا يزال يفضل التفاهم مع الحريري، علماً بأن الحزب لم يتوصل الى أي اتفاق معه، وهو لا يزال يتحفظ على طلب الحريري مساعدته في موضوع صندوق النقد الدولي، ويرفض أن يتركه طليق اليدين». أما الغالبية «فترى في التأجيل فرصة لكسب الوقت لأن عدم الاتفاق على جوهر الورقة الفرنسية سينعكس نزاعاً في مرحلة التأليف، فلماذا يعطى الحريري ورقة التكليف قبل الانتخابات الأميركية التي ستحصل بعد أسبوعين»؟