كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة “نداء الوطن”:
تتجلّى في حضرة “تنفيذ القوانين الصادرة عن محاكم لبنان” هشاشة كلمة القضاء أمام “قوى الأمر الواقع”، في أكثر صورها انكشافاً. وبينما التزمت رئاسة الجمهورية بقرار القضاء الذي أبطل قرارها بمنع دخول وسيلة إعلامية بيت الشعب، هناك في زغرتا من يظنّ أنّه أعلى سلطة من القضاء وأعلى درجة من رئاسة الجمهورية، فخالف قرارين قضائيين في ملفّ “محمية حرش إهدن” بوقف أعمال التعبيد والتزفيت… كما لو أنّ كلمة القضاة لا وزن لها ولا قيمة!
بغضّ النظر عن الأسباب والموجبات، والرأي والرأي المناقض لحيثيات الموضوع، “كُسرت” كلمة القضاء، وتمّ تعبيد الطريق بالقوة، بالرغم من رأي القانون ومحاولة بعض الأهالي إيقافهم. وعليه، يطرح المواطن أسئلته الصعبة المتوارية في تفاصيل جملة “هيدا لبنان”، وأهمّها: هل سيستردّ القضاء هيبته في الأيام القادمة؟
تفاصيل القضية
يشرح المهندس رينيه معوّض لـ”نداء الوطن” أنه وفي أواخر شهر أيلول، فوجئ وناشطين غيره من سكّان إهدن (مخايل الدويهي، بولس دويهي، دينا معوض، سيلفيا شدراوي وبطرس سركيس معوض)، “بوجود آلات جرف تعبّد وتوسّع طرقات داخل نطاق محمية إهدن وبصدد البدء بتزفيتها، في سابقة خطيرة على هذه المحمية، بما يشكّل تعدّياً فادحاً على النظام البيئي والإيكولوجي للمحمية وللقانون المنشئ لها، وخصوصاً بغياب أي تعليل مشروع مدعّم ببحث علمي وموثّق لهذه الأشغال”.
وبناء عليه، تقدّموا كـ”معنيين بسلامة البيئة والمحميات الطبيعية عموماً وسكان منطقة إهدن وجوارها خصوصاً؛ بشكاوى في هذا الصدد إلى كلّ من وزارتي البيئة والأشغال وبلدية إهدن والقائمقام والمحافظ، وبأمر على عريضة تحمل صفة العجلة لجانب قضاء الأمور المستعجلة في زغرتا، أوضحوا فيها مخاوفهم على المحمية من جهة، وتعريض منظومة المياه الجوفية في غالبية المناطق اللبنانية للخطر من جهة أخرى، مستندين إلى القانون 121/2002 الذي منع القيام بأي عمل يضرّ بالمحميّة، وذلك تحت طائلة الملاحقة الجزائية حبساً وتغريماً”. كذلك، استندوا في الأمر إلى قانون “حماية البيئة” رقم /444/ مُلقين الضوء على “أنّ الطريق التي تمرّ بالمحمية صعوداً نحو جبل مار سركيس، ومنه إلى جبل المكمل على طريق القرنة السوداء، تهدّد نبعي مار سركيس وجوعيت والمياه الجوفية في لبنان”.
ويكمل معوض: “صدر بتاريخ 22 أيلول عن المدّعي العام البيئي في الشمال غسان باسيل قرار قضائي، بالإيقاف الفوري لأعمال التزفيت والتعبيد القائمة ضمن محمية إهدن الطبيعية ومنطقتها الحزامية، إلى حين إنجاز وزارة البيئة دراسة الأثر البيئي لها، وبعده قرار قضائي ثان للقاضي طانيوس الحايك يحمل صفة المعجّل النافذ على أصله، يمدّد فيه مفعول القرار القضائي الأول لحين انتقال هيئة المحكمة إلى المحمية للمعاينة والكشف على الأعمال المشكو منها، على أن يجري ذلك بحضور لجنة المحمية وبعد دعوة الفريقين أصولاً، مع تقصير مهل الحضور إلى 12 ساعة، وتكليف مخفر إهدن بتنفيذ هذا البند فوراً، وإيداع المحكمة محضراً بذلك بالسرعة الممكنة، وإبلاغ المستدعى عليها الدولة اللبنانية ممثّلة بهيئة القضايا في وزارة العدل، وقف تلك الأعمال بالصورة الفورية تنفيذاً لهذا البند”.
وأردف قائلاً: “ولكن، وبالرغم من سلوكنا الطريق القانونية للحفاظ على حقوقنا، تمّ تجاهل القرارات القضائية وعُبّدت الطريق، واليوم الكرة في ملعب القضاة كي يحاسبوا من لم يعمل بقراراتهم، من جهتنا كمواطنين، سنكمل في القضية ضمن حدود القانون”.
رئيس بلدية زغرتا
على المقلب الآخر، لفت رئيس بلدية زغرتا أنطونيو فرنجية إلى “ايجابيات فتح مدخل جديد ومعبّد للمحمية غير القديم الضيق”، وكيف “يسهّل وصول فرق الدفاع المدني في حال اندلاع أي حريق، ويسهّل وصول فرق الصليب الأحمر في الحالات الطارئة، ويُمكّن المعنيين بمراقبة المحمية بشكل أفضل وقمع المخالفات بخاصة منها الصيد. كما أنه ومع تعبيد الطريق، لم يعد دخول المحمية حكراً على السيارات رباعية الدفع فقط، وأن البلدية تحت سقف القانون وأن لجنة حماية المحمية قد أجرت تقييماً بيئياً مبدئياً في العام 2014”.
شرح المتعهّد
وفي حديث خاص لـ”نداء الوطن”، شرح المتعهّد أنطوان مخلوف أنّ “الطريق موجودة منذ السبعينات وتقع في مدى المحمية الحيوي، وتم تلزيمها له من وزارة الأشغال منذ العام الماضي مع عقد للنفقات منذ شهرين”، كما أنّ أوراقه قانونية بالكامل وقد استحصل على موافقة من إدارة المحمية منذ سنتين”.
وعندما شرحنا له أنّ لجنة إدارة المحمية تعتبر حالياً في حكم تصريف الأعمال، أوضح انّ الإذن الذي معه موقّع من رئيس اللجنة سيزار باسيل قبل استقالته، وتساءل: “ما الذي تغيّر اليوم؟ و”شو عدا ما بدا”، على أي حال لم يتم إعطائي أي أمر من جهة ممثّلة للدولة اللبنانية كالمخفر مثلاً بإيقاف العمل، ولدي الأوراق والصلاحيات لتعبيد الطريق وقد عملت بموجبها”.
مخالفة القرارات القضائية
ويقول أحد المدّعين لـ”نداء الوطن”: “اعتصمنا، وشاهدنا بأم ّالعين كيف خُرق القانون بشكل فاضح، وتمّ تحدي القضاء ومخالفة قراراته، بتواطؤ من البلدية وأشخاص الضابطة العدلية، عدا عن تنفيذ جرائم مشهودة بحقّنا لمجرد مطالبتنا بحماية حقوقنا البيئية، وبعد تزفيت الطريق بالرغم من أنفنا وتوقيف المهندس بولس الدويهي من قبل مخابرات الجيش اللبناني أثناء الإعتصام، واقتياده مخفوراً إلى مركز مخابرات الجيش في القبة ـ طرابلس واحتجازه لساعات من دون السماح للمحامية برؤيته خلافاً للقانون، تابعت محاميتنا ديالا شحادة التي تتوكّل مع المحامية شادن الضعيف قضيتنا”.
ويتابع: “كما ذهبنا إلى مخفر الدرك الذي أكّد عدم تبلّغهم القرار، وعدم معرفتهم ما إذا كان رئيس المخفر بدوي اسكندر قد تبلّغه لعدم قدرتهم على التواصل معه، حتى انتهاء اعمال التزفيت. وعليه، خابرت وكيلتنا كجهة مستدعية كلاً من مخفر إهدن ورئيسه لمتابعة تنفيذ القرار فلم يجب على إتصالاتها، حتّى بعد انتهاء الأشغال المشتكى منها، وبرّر ذلك لاحقاً بأنّه كان “في اجتماع خارج المخفر منذ تبلّغه القرار من محكمة زغرتا حوالى التاسعة والنصف صباحاً، ولم يكن بمقدوره استخدام هاتفه”، فيما صرّح قائد سرية زغرتا الإقليمية العقيد ميلاد نصرالله: “نحن نقوم بواجبنا ومخفر إهدن لم يتبلّغ القرار القضائي والأشغال توقّفت وهي خارج المحمية، على أي حال”، مُمتنعاً عن اتّخاذ أي إجراء للتثبّت ممّا إذا كان مخفر إهدن قد التزم بتنفيذ قرار المحكمة أم لا.
المحامية شحادة
من جهتها، كشفت المحامية ديالا شحادة لـ”نداء الوطن” أنّ موكليها قد طلبوا من القضاء “منع أي آليات من أي نوع كانت، من دخول نطاق المحمية أو استخدام الطرقات التي عُبّدت خلافاً للقانون بالرغم من وجود قرار قضائي بوقف الأشغال، ومنع سير الآليات عليها بانتظار بتّ القضية، على أن يتمّ نشر قرار المنع بشكل ظاهر عند مدخل المحمية وإغلاقه بالسلاسل المعدنية”، كما طالبوا الجهة المدّعى عليها، وهي الدولة ممثّلة بوزارتي الأشغال والداخلية بإعادة الحال الى ما كان عليه، وعلى نفقتها الخاصة، بما في ذلك إزالة الزفت وتشجير المساحات المعّبدة أو الموسعة، مشيرة الى أنّ “القضاء سيبتّ أمر دعوتهم في اليومين المقبلين”.
حين يقول القضاء كلمته الحاسمة غير القابلة للنقاش، عندها لا يتسنّى لأحد سوى الإذعان والتسليم والتنفيذ. هذا ما يعوّل عليه المواطنون، ممّن يحظون بنعمة الإيمان الخالص من شوائب الريبة والشكّ بشفافية القضاء، ووهرته وإستقلاليته عن أي جهة سياسية تحاول هدم ما تبقّى لنا من مؤسسات تحمي حقوق الشعب. وعليه، ننتظر ليّ ذراع من “ضرب وهرب”.