كتبت فاتن الحاج في صحيفة “الأخبار”:
تدخل شركات خاصة «وسماسرة» وسيطاً بين الطلاب اللبنانيين الذين يتابعون دراستهم في الخارج وإدارات جامعاتهم، بموجب اتفاقية مع الأهل وعقد بين الشركة والجامعة، تعمل الأولى بموجبه على استقطاب الطلاب للثانية. يحدث ذلك خصوصاً في روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا حيث يجري استغلال طلاب غير عارفين بتفاصيل التسجيل والدراسة الأكاديمية.
في السنوات العشر الأخيرة، نشطت مكاتب وشركات خاصة و«سماسرة» على خط الوساطة بين الطلاب اللبنانيين وجامعات في الخارج ينوون متابعة دراستهم فيها. باتت «الشركة الوسيطة» ممرّاً إجبارياً للطالب في معظم جامعات روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا بصورة خاصة، فيما ليس هناك صيغة مشابهة للدراسة في بلدان غرب أوروبا. وبذلك تحصر علاقة الطالب وذويه مع الجامعة عبر الشركة التي تتابع «الضيف» أكاديمياً منذ اللحظة التي يقدّم فيها طلباً للقبول في الجامعة، وهي التي تبلغه بالموافقة على طلبه، وترافقه في رحلته إلى البلد المضيف. ويسدد أولياء الأمور القسط الجامعي عبر حساب المكتب أو الشركة التي تتولى توفير كل المستندات التي يحتاج إليها الطالب أثناء دراسته، ويكون لها في العادة مقر داخل حرم الجامعة.
مصادر الأهالي تؤكد أن الشركات تستوفي من الطلاب، بموجب اتفاقية شفهية أو مكتوبة بلغة البلد الذي سيدرسون فيه، أتعاباً لسنة واحدة تراوح بين 1500 و2500 دولار. ولكن مع ازدياد الأحوال المادية للأسر سوءاً، طفت على السطح معاناة الأهل مع هذه الشركات. ويصف طالب طب في إحدى هذه الجامعات نفسه بأنه وأقرانه من الطلاب «ضحايا لشركات تسلب أموالنا، نظراً إلى الاستغلال الذي نتعرض له وخصوصاً في السنة الأولى، وقد يستمر في السنوات اللاحقة، عبر تقاضي عمولات مقابل تأمين مستندات أو أي خدمة خلال فترة الدراسة، وأحياناً تعمل على ابتزازنا بتهديدنا بخسارة مقاعدنا الدراسية أو حجب الشهادة».
ويتداول الطلاب أن بعض الشركات توظّف طالباً في سنة الاختصاص «تزرعه» بين الطلاب كمراقب لضمان عدم اختراقهم من شركة أخرى، ويحرص على أن تكون حاجات الطالب من مستندات أو إيجار سكن تحت الرعاية المباشرة للشركة مقابل بدل مادي لقاء كل خدمة. وبحسب بعض الأهالي، «يعمل هؤلاء المزروعون على الترويج بين الطلاب بأن من يريد النجاح في مادة معينة عليه أن يدفع لأستاذ المادة»!
يحدث كل ذلك «لسبب بسيط، هو أننا نجهل التفاصيل والدهاليز»، كما تقول إحدى الأمهات. وتوضح أنّ الطلاب وأهاليهم بصورة عامة لا يعرفون اللغة، ومن ليس لديهم أقارب أو أصدقاء في بلدان الدراسة يلجأون إلى هذه الشركات التي «يكتشفون متأخرين ألاعيبها وسمسراتها التي تختلف بين شخص وآخر على قاعدة قد ما بيطلع بإيدهم بيحصّلوا».
المستشار العام لاتحاد الجامعات في روسيا الاتحادية ومسؤول إحدى الشركات، بشير سماحة، أكد لـ«الأخبار» أنّ الشركة أو المؤسسة «تأخذ أجرة خدماتها مرة واحدة وبشكل واضح» من السفر إلى الجامعة مع المتابعة الأكاديمية. «إلا أن في روسيا شركات تمنع الطالب من دفع الرسوم الجامعية مباشرة إلى الجامعة، وهذا ما نحاربه منذ زمن. إذ قد يكون قسط الجامعة ألف دولار في السنة، وتعمل الشركة على رفعه الى 3000 دولار تحت طائلة التهديد بحرمان الطلاب من أوراقهم ومستنداتهم». لذلك، يدعو سماحة الأهل إلى «معرفة تفاصيل كل خطوة يخطونها والاتفاق مع المؤسسة قبل توقيع أي مستند خطي».
السفير اللبناني في روسيا، شوقي بو نصار، نفى أن تكون لديه معلومات رسمية حول هذا الموضوع، «سوى ما نسمعه بالتواتر». فيما قال القنصل الفخري للبنان في بيلاروسيا، غيفارا سليم، إن الشركات تعمل مع الجامعات في المدن البعيدة عن العاصمة، مستبعداً حصول أي استغلال للطلاب «باعتبار أن الأقساط معلنة على المواقع الإلكترونية للجامعات في بيلاروسيا. والأقساط مقبولة نسبياً وما في شي بيحرز». وأوضح أن الشركات الوسيطة في بيلاروسيا ترافق الطالب لسنة واحدة تصبح بعدها علاقته مباشرة مع الجامعة. ونفى أن يكون قد تلقى أي شكوى في هذا الخصوص.
عضو جمعية أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج، سامي حمية، أكد لـ«الأخبار» أن هذه التجارة «باتت رائجة. فنحو 70% من الجامعات في روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا لديها هذا الوسيط وتمارس سمسرة غير مشروعة وتفرض أمراً واقعاً على الطلاب. صحيح أن الاتفاق يشمل السنة الأولى فقط، لكن الطالب يعلق في الصنارة من حيث لا يدري ويصبح أسيراً للجامعات حتى إنجاز اختصاصه».
ووصف ما يجري بأنه «عملية نصب واحتيال، إذ يمكن أن تصل الأرباح التي تتقاضاها بعض الشركات إلى 40 في المئة من قيمة القسط». ونقل عن رئيس المركز الثقافي الروسي في بيروت فاديم زايتشيكوف أنّ «هذه التجارة تنشط خصوصاً في الجامعات الضعيفة المستوى».