كتب عمار نعمة في “اللواء”:
قبل أيام على إستحقاق الانتخابات الأميركية في 3 الشهر المقبل، تكثر الأسئلة حول ماهية موقف الإدارة المقبلة في مقاربة سياستها في المنطقة ولبنان جزء لا يتجزأ منها.
ويبدو أن الأمر لا علاقة له أساساً بموقف كل من الحزبين «الجمهوري» الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي دونالد ترامب، أو «الديمقراطي» الذي يمثله نائب الرئيس السابق جو بايدن، بل أن طبيعة القرارات المثيرة للجدل في المنطقة كما في العالم، التي إتخذها ترامب لها سمات شخصية تتعلق بالأخير أكثر من كونها متعلقة بسياسة «جمهورية» ثابتة.
لذا، فإن المعركة حسب قارئين للسياسة الأميركية في المنطقة يمكن تصنيفها أنها تدور بين رافضي ترامب والمتمسكين به، وهي هنا بمثابة الإستفتاء على ترامب نفسه الذي تعرض لنكسة شعبية بالغة بعد أدائه السلبي إزاء مواجهة هبوب وباء «كوفيد 19» على بلاده، والذي وجه ضربة كبيرة الى الاقتصاد الذي يفتخر ترامب بأنه إزدهر خلال ولايته ناهيك عن خسائره البشرية. ويضاف ذلك الى قضايا أخرى مثل الأحداث العنصرية التي جرت في أنحاء مختلفة في البلاد ومواضيع تاريخية تهم الاميركيين، لكن يجب القول إن الانتخابات في الأصل لا تجري، سوى في محطات نادرة شاركت خلالها قضايا كالارهاب وحرب العراق في العصر الحديث مثلا، على الملفات الخارجية علما ان المناظرة الثالثة بين المرشحين تستحضر عادة تلك الملفات.
لكن بغض النظر عما ستؤثر فيه تلك الملفات في تفكير المقترع الداخلي، تُطرح أسئلة حول مقاربة كل من بايدن وترامب لقضايا المنطقة التي تقاربها عبر سياسة مؤسساتية عن طريق البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع والمخابرات وطبعا المؤسسة التشريعية وهي «الكونغرس» الذي يؤدي أدوارا كبرى ويستطيع أن يُشرع في السياسة الخارجية وله قراره في الاستراتيجيات الكبرى.
الاختلاف والتقارب
والحال أن بايدن وترامب يختلفان في رؤيتهما للسياسة الخارجية وطبيعة النظام العالمي.
يرفع ترامب، شخصيّ النزعة، شعار أميركا أولا وهو تخلى عن الكثير من الاتفاقيات الدولية لاعتباره أنها مجحفة مثل إتفاقية باريس للمناخ والإتفاق النووي مع إيران. وسيكون على بايدن في حال وصوله قضاء الوقت الطويل لإصلاح ما أفسده ترامب وخاصة على صعيد علاقة واشنطن بحلف «الناتو» وإعادة التحالفات مع أوروبا، ألمانيا وفرنسا على وجه الخصوص، كما على صعيد العلاقة مع بعض المؤسسات بالغة الأهمية مثل «منظمة الصحة العالمية» التي حاول ترامب تحميلها جزءا من مسؤولية إخفاقه في ملف «كورونا».. والأمر نفسه ينطبق على العلاقة مع «منظمة التجارة العالمية».
وفي منطقة الشرق الأوسط، فعلى الصعيد التاريخي، إنصب الإهتمام الاميركي على مصالح الولايات المتحدة الاميركية في ظل أولويتي إسرائيل والنفط.
ولا يزال ترامب يحاول جاهدا الترويج لـ«إنجاز» التطبيع مع بعض الدول العربية، لكسب الصوت اليهودي في بلاده الميال تاريخيا الى «الديمقراطيين» من دون تحقيق كسب ملاحظ على هذا الصعيد.
ويحضر الملف الإيراني حيث حقق ترامب ضربات موجعة في الاقتصاد الايراني من دون دفع طهران الى طاولة المفاوضات وهي التي تشترط موافقته أولا على إعادة العمل بالاتفاق النووي، وسيترقب الايرانيون بشغف مآل الانتخابات على أمل سقوط ترامب.
على أن مبدأ ترامب في المنطقة يتمثل في التقليل من القوات العسكرية وهو لا يريد التورط على الارض في النزاعات، على أن يتقاضى ثمن الدعم من الحلفاء ودفعهم الى تبني سياسة دفاعية بأنفسهم. لذا، فهو يجهد لتحقيق إنسحابات من مواقع كثيرة وخاصة من أفغانستان والعراق.
من ناحية بايدن، هو قد ينحو الى الداخل الاميركي ومجابهة «كورونا» وإعادة اللحمة الى هذا الداخل وإعادة الهيكلة الى المؤسسات الأمنية لمنع تكرار الأحداث العنصرية. وهذا أيضا سيكون على حساب السياسة الخارجية حيث لا يريد «الديمقراطيون» التورط في النزاعات.
وقد يلجأ الى سياسة كلاسيكية في الشرق الأوسط بعيدا عن الإرتجالية وحتى المزاجية. وسيحاول التوصل الى تسوية مع إيران سواء عبر إعادة العمل بالاتفاق النووي أو التوصل الى اتفاقية مشابهة تحددها طاولة المفاوضات بعيدا عن الضغط الاقصى الذي لجأ إليه ترامب.
وسيستمر في سياسة مكافحة الارهاب والتحالفات التاريخية في المنطقة، لكن البعض يلفت الى أن بايدن لن يكون باراك أوباما آخر، لكنه سيُعلي من شأن الديبلوماسية كما على صعيد عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية وحل الدولتين، مع ضرورة إنهاء الحرب في أفغانستان والعراق ومواجهة الصين وروسيا.
أي بكلمات أخرى، سيكون التغيير متمحوراً بين قوة أميركية بعقلانية يريدها «الديمقراطيون» وقوة إمبراطورية على مزاج ترامب.
لا تأثير جذرياً محلياً
أما على صعيد لبنان، فهو لن يتأثر جذرياً في حال تغيّرت الأولويات للرئيس الاميركي المقبل في المنطقة.
لكن حسب المتابعين للسياسات الأميركية في المنطقة ومنها لبنان، فإن للولايات المتحدة تاريخا طويلا من العلاقات مع لبنان وهناك الكثير من الملفات المشتركة. وتقدم واشنطن مساعدات مستمرة للقطاعات الأمنية وتدريباً متواصلاً لها، وثمة تنسيق في أمور «تقنية» مثل مكافحة تبييض الأموال، وعلى الصعيد النقدي وعلاقة واشنطن بالمصرف المركزي، إضافة الى القطاع التربوي والشراكة الأميركية الشرق أوسطية، وزد على ذلك العلاقة التجارية مع لبنان ومن ضمنها قطاعات غذائية مدعومة.
هذا من ناحية الشكل، لكن الادارة الاميركية المقبلة لن تختلف عن سابقاتها في إعلاء شأن حليفتها إسرائيل. والاميركيون الذين كانوا العامل الأهم وراء قرارات دولية متعلقة بلبنان مثل الـ1701 و1559، سيتابعون إهتمامهم بملف ترسيم الحدود لكن من دون توقع إختراقات دراماتيكية على هذا الصعيد.
كما سيستمرون في سياسة العقوبات تجاه أفراد قد يكونوا حكوميين، وعلى صعيد تطبيق نظام قيصر، وهنا ثمة من يعتبر أن بايدن سيكون أقل اصرارا على العقوبات، علما أن لبنان وحكومته ليسا واقعين رسميا تحت سياسة العقوبات.
على أن الاميركيين سيحرصون على عدم هز الاستقرار اللبناني ودعم السلطة اللبنانية، كون الفوضى ستُخرج البلد نهائيا من نفوذهم وستخدم «حزب الله» وبالتالي إيران.
وإذا لم يكن من الممكن الجزم تحديداً بطبيعة أي تبديل قد يأتي به بايدن وفريقه بالنسبة الى لبنان، لكن لن يكون هناك أي تغيير جذري في العلاقات الثنائية، إلا أن لبنان سيُفيد من عملية «فك إشتباك» في المنطقة التي ستتنفس الصعداء في حال مجيء «الديمقراطيين».