… «وابتدا المشوار» الصعب للرئيس سعد الحريري الذي كُلِّف أمس تشكيل حكومةٍ على أجنحةِ رعايةٍ فرنسيةٍ، ورياحٍ مؤاتية أميركياً، ومصلحة لـ «حزب الله» بالمزيد من الإنحناء للعاصفة الإقليمية تَحَسُّباً لكل احتمالات «المكاسرةِ» بين طهران وواشنطن بعد انتهاء السباق إلى البيت الأبيض.
لكن هذه الأجنحة بمقدار ما قد تشكّل قوةَ دفْعٍ لمسارِ تشكيل حكومة المهَمة الإصلاحية من «اختصاصيين غير حزبيين» وفق جدول أعمال حدّدتْه الورقة الفرنسية، بقدر ما أنها قد تصطدم بسيلِ تعقيداتٍ تتشابك فيها اعتباراتُ الـ VENDETTA التي يُراد منها ردُّ الاعتبار للرئيس ميشال عون رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بعدما جاء تكليف الحريري «رغماً عنهما»، وأيضاً حساباتُ ترسيم حدود إدارة زعيم «المستقبل» للملف الاقتصادي وتحكُّمه بدفة السياسة «عكس سير» نتائج الانتخابات النيابية، أي دوْزنة توازنات التشكيلة العتيدة وبيانها الوزاري و«دور» الاختصاصيين لجهة إيجاد «التوليفة السحرية» بين حدّيْ غير الحزبيين والمستقلّين.
ومع تكليفه أمس بـ 65 صوتاً (من أصل 120 نائباً حضر منهم إلى الاستشارات 118 ولم يُسمّ 53 أحداً) في ختام يوم استشاراتٍ مُلْزمة أجراها عون، يكون الحريري الذي استقال في 30 اكتوبر 2019 على وهج تظاهرات 17 اكتوبر وعاد على وقع خفوتِ زخمها وبعد السقوط المريع الذي تَسارع في ظل حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة، يتلقّف «كرةَ نارِ» الأزمة الشاملة وانزلاقَ لبنان إلى «عين العاصفة» في المواجهة الأميركية – الإيرانية، متكئاً في رابع مهمةٍ له على مستوى رئاسة الحكومة على مظلّةٍ كافية دولياً وغطاءٍ داخلي غير مكتمل النصاب.
ولم يكد مرسوم تكليف الحريري أن يصدر، وسط تلقُّف «السوق السوداء» لتداول الدولار عودته بتسجيل هبوطِ سريع لما دون 7 آلاف ليرة ونزولاً، حتى بدت عملية التأليف التي تنطلق اليوم مع استشاراتٍ يُجريها في البرلمان مع الكتل النيابية محاصَرة بعقدةٍ معلَنة ظهّرها «بصريح العبارة» باسيل، كما بقطب مَخْفية تتصل بـ»حزب الله»، وفق الآتي:
* «التيار الحر» الذي لم يسمِّ الحريري كَشَفَ باكراً أوراقه للتأليف بلسان رئيسه باسيل الذي أعلن أنه «بعد تكليف الحريري وهو غير اختصاصي بل سياسي بامتياز على عكس جوهر المبادرة الفرنسية بتنا أمام حكومة تكنو – سياسية، وهنا تجب مراعاة الميثاقية»، معتبراً «أن لا احد يستطيع التغاضي عن النقص او العيب الذي يشوب التكليف بعدد الأصوات الهزيل وعدم التسمية من كتلتين مسيحيتين وازنتين (التيار والقوات اللبنانية)».
وبتفكيك «شيفرة» الميثاقية في التأليف، فإن هذا يعني وفق أوساط مطلعة أن فريق عون الذي يرفع السقف نحو حكومةٍ يشارك فيها حزبيون واختصاصيون على عكس «البروفايل» الذي حدّده الحريري، يريد حجْزَ المقاعد المسيحية في الحكومة العتيدة تحت كنف رئيس الجمهورية والتيار الحر (ما خلا تمثيل تيار «المردة»)، وأن تكون هذه الحصة متلازمة مع حقائب تراعي وزنَ التيار وفق معيارِ تمثيله البرلماني و«الميثاقي»، من دون أن يُعرف إذا كان «التيار» سيتشدّد بموضوع الوزراء الحزبيين ما سيشكّل «لغماً» كبيراً في مسار التأليف، وإذا كان أيضاً في وارد التسليم – بحال تَراجَعَ عن هذا الأمر – بأن يتشارك مع الحريري في تسمية الوزراء المسيحيين من لائحة أسماء، على غرار ما اقترح الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري في معرض تأكيد تمسُّكهما بحقيبة المال وبأن يسمّيا وزراءهما من ضمن آلية «اللوائح»، ناهيك عن صعوبة تقدير إذا كان كسْر مبدأ المداورة بإبقاء «المالية» في «جيْبهما» سيجعل فريقَ عون يتصلّب بالإصرار على الاحتفاظ بالطاقة مثلاً وغيرها، ما سيعني سبحة تعقيدات لن تنتهي.
وإذ سيشكّل لقاء الحريري مع كتلة باسيل اليوم، مؤشراً إلى المدى الذي سيبلغه التيار في محاولة «تعويض» الخسائر التي مُني بها في مرحلة التكليف وقبلها، فإنّ الأوساط المطلعة ترى أن فريق عون لم يعد يملك قدرةً على التعطيل وفرْض الشروط كما كان في المراحل السابقة، بفعل حجم الضغوط الخارجية التي تحضّ على الإسراع بتشكيل حكومةٍ بمواصفاتٍ قابلة للتسويق خارجياً ولإنجاز الإصلاحات – المفتاح لأي دعم مالي.
* أما «حزب الله» الذي لم يسمِّ الحريري فأدار عملية تكليفِه «حاملاً العصا من الوسط» بحيث وازَن بين ترجمة الـ «نعم» لعودة زعيم «المستقبل» عبر حضّ حلفاء له على تسميته (مثل القومي والنائبين عدنان طرابلسي وجهاد الصمد) لضمان تكليفٍ مريحٍ نسبياً، وبين تَفادي تظهيرِ ذلك على أنه «لا» لحليفه المسيحي عون الذي كان جاهَرَ بعد رغبته بتسمية زعيم «المستقبل».
وفي رأي الأوساط نفسها أن «حزب الله» يصعب أن يكتفي من عملية التأليف بشرط «المالية» وتسمية الوزراء الشيعة غير الحزبيين إذ يهمّه في الوقت نفسه ألا يفقد «الغطاء الحكومي» لسلاحه الذي تؤمّنه له البيانات الوزارية، وألا يطلق يد الحريري في عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي وشروطه التي جاهر الحزب بتحفظاته عن نقاط رئيسية منها، إلى جانب تفادي إفلات القرار السياسي من يد الحكومة التي ستتم العودة إليها في موضوع الترسيم البحري مع إسرائيل والتي قد «تعمّر» حتى الانتخابات النيابية أو الرئاسية المقبلة رغم كل الكلام عن انها ستكون انتقالية لستة أشهر، وهي الاعتبارات نفسها التي تتحكّم في جوانب أساسية من كيفية إدارة التيار الحر لمعركة التأليف.
وبعيد تكليفه، بدا أن الحريري الذي يُدْرك تماماً الحاجة إلى «سكْب مياه باردة» على المناخات الداخلية خصوصاً على «خط التوتر» مع عون وباسيل بهدف محاولة إنجاز مهمته بأسرع وقت، باشر بـ «توسيع كوع» مسعى الاحتواء، من دون أن يعني ذلك استعداداً لتكرار تجربة حكومات المحاصصة السابقة أو التخلّي عن معيار حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين الذي يحمل بين طياته مرونة مستورة قد تصل إلى القبول بأن تسمّيهم القوى السياسية «عن بُعد» وعلى طريقة «المُشارَكة الناعمة».
وإذ يُتوقع أن يسرّع الحريري خطى عملية التأليف مع تفادي استدراجه إلى لعبة شروط وشروط مضادة، ومع إدراكه الكامل بأن هذا المسار محكوم بورقة قوّة يملكها عون وهي توقيعه الشَرْطي على مرسوم التأليف وورقةٍ مقابلةٍ في يده هو (الحريري) يمثّلها الدعم الفرنسي بدفْعٍ خلْفي أميركي، فإنه أطلق أمس إشارة تبريدية بقوله رداً على سؤال عن ايجابيته «انها البداية واذا كانت مصلحة البلاد تتطلب تفاهماً مع الجميع فمن المفترض تغليب مصلحة البلد»، وذلك بعدما كان تلا بعيد تكليفه بياناً مقتضباً حدد فيه مواصفات حكومته من «اختصاصيين من غير الحزبيين، مهمّتها تطبيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية»، مؤكداً «العزم على التزام العمل على وقف الانهيار الذي يتهدد اقتصادنا ومجتمعنا وأمننا، وإعادة إعمار ما دمره انفجار المرفأ الرهيب، وسأنكب على تشكيل الحكومة بسرعة، لأن الوقت داهم والفرصة أمام بلدنا الحبيب هي الوحيدة والأخيرة».
وكان لافتاً أن التكليف طبعتْه مفارقاتٌ عدة مثل افتراق حزب الطاشناق عن تكتل باسيل والتصويت لمصلحة الحريري، وخروج نائب (جان طالوزيان) من كتلة «القوات» وتسميته زعيم «المستقبل» الذي برز أيضاً حصوله على صوت النائب نهاد المشنوق.
https://www.alraimedia.com/article/1505048/خارجيات/العرب-والعالم/الحريري-ابتدا-المشوار-الشاق-لتشكيل-حكومة-المهمة-الصعبة