كتب وليد شقير في صحيفة “نداء الوطن”:
بعيداً من حديث عدد الأصوات التي نالها الرئيس المكلف لا بد من التوقف بداية عند بعض من لم يصوتوا لصالحه، وفي طليعتهم “حزب الله”. وعلى رغم الحديث عن أن الحريري يدخل تجربة حكومة “المهمة” على الأسس التي اتفق الفرقاء عليها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولكن باتفاق مع “الثنائي الشيعي”، فإن امتناع “الحزب” عن منحه أصواته يخفف عنه ثقل التهمة بأنها حكومة “حزب الله” أمام دول الغرب، التي أيدت عودته إلى الرئاسة الثالثة بعد اعتذار السفير مصطفى أديب.
ولربما لم يلتقط الرافضون لعودة الحريري ولا سيما المتشددون في “التيار الوطني الحر” وراء رئيسه جبران باسيل، تلاقي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو (عبر اتصاله بالرئيس ميشال عون)، والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله (خلال لقائه باسيل قبل بضعة أيام)، في الاشتراك مع قوى أخرى في الضغط لعدم تأجيل الاستشارات النيابية ثانية بالنسبة إلى الأول، وعدم تحبيذه بالنسبة إلى الثاني. وظهر ذلك من خلال أصوات بعض حلفاء “الحزب” لمصلحة الحريري. فالأخير قادر على أن يكون عازلاً بين دول الغرب وبين “الحزب”، إذا سهّل الأخير مهمته في إنجاز سريع للإصلاحات العاجلة التي تتضمنها خريطة الطريق الفرنسية.
انتظار الدول الغربية، بل دفع بعضها، لتكليفه يثبت أن الحريرية السياسية ما زالت الجهة التي تفضل هذه الدول مخاطبتها في التعاطي الاقتصادي والسياسي معها، في شأن معالجة أزمات لبنان مهما كانت درجة الاهتمام بهذه الأزمات، ومهما كانت ملاحظاتها على الحريري وأدائه، من وحي انتفاضة اللبنانيين في 17 تشرين الأول الماضي.
الاستنتاج الثالث هو أن ما تشهده الساحة المسيحية من إرباك بسبب الصراع الداخلي أعاد إعطاء المسيحيين المستقلين حيزاً مهماً بما يشبه عودة الروح عند هؤلاء، على رغم كل الجهود التي كان بذلها الحزبان الرئيسيان “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية” لحصر التمثيل بهما عبر اتفاق معراب واستنساخ تجربة “الثنائي الشيعي”. فالكتل الصغيرة مثل “الطاشناق” وسائر النواب الأرمن (خالف أحدهم كتلة نواب “القوات”)، إضافة إلى عدد من النواب الآخرين مثل نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي، والنائب ميشال الضاهر و”التكتل الوطني” الذي يضم “المردة” وفريد هيكل الخازن، وجان عبيد ونقولا نحاس، ونواب الحزب “السوري القومي الاجتماعي” لم يلتحقوا بالحزبين الكبيرين. وهذا التوجه كان سبقه خروج عدد من هؤلاء من الكتلة الكبرى (لبنان القوي) التي يرأسها باسيل، بعد انفجار المرفأ، مثل الضاهر وشامل روكز واستقالة بعضهم الآخر مثل نعمت فرام وميشال معوض… الخريطة المسيحية تعاكس اعتقاد باسيل أن تياره سيجرف الآخرين بمن فيهم حزب “القوات”، التي بات عليها أن تحسب حساب المستقلين أيضاً.
يعود رئيس البرلمان نبيه بري إلى لعب دور تليين المواقف كما فعل خلال لقائه عون والحريري في نهاية الاستشارات. فالحريري استدرك توجس عون من عودته من دون التفاهم مع باسيل، بأن أبلغه أنه سيشكل الحكومة بالتعاون معه كرئيس للجمهورية، لجعل المساكنة بينهما في الأشهر المقبلة، أقل ضرراً على الهدف من تسريع تأليف الحكومة: الإصلاحات مقابل الحصول على مساعدات مالية تمنع الانهيار.