قطع المسار الذي سلكته الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا امس الشك باليقين ان الثنائي الشيعي وزّع الادوار بين حلفائه لتأمين تسمية مقبولة لتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة وهو الذي أصر عليه منذ لحظة استقالته في 29 تشرين الاول العام الماضي. جيّر الاصوات حيث أمكن من الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي انقلب موقفه بين ليلة وضحاها، الى النائبين جهاد الصمد وعدنان طرابلسي كما كتلة نواب الارمن لمصلحة الحريري، في اطار تكتيك جاء تعويضا عن الرفض المسيحي من الكتلتين الكبريين “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية “، ولكل اعتباراته. اوصل الثنائي الرئيس الحريري الى عتبة السراي في انتظار ان يفتح التأليف بابها الواسع. كثيرة هي التساؤلات حول تمسك الثنائي بالحريري و”الاستماتة” في سبيل عودته الى رئاسة الحكومة ، هل لاستمرار ربط النزاع مع المستقبل وتفادي التصعيد السني- الشيعي الذي يمسك الحريري ناصيته، ام لأن مساحات التفاهم مع الزعيم المستقبلي ارحب واوسع من غيره من المرشحين وتجربة مصطفى اديب خير دليل، او بفعل ضغوط دولية لم يعد قادرا على تجاوزها؟
تقول اوساط سياسية متابعة لـ”المركزية” ان الثنائي، وتحديدا حزب الله يدرك اكثر من اي وقت مضى طبيعة التغيرات في المنطقة والتقلبات السريعة التي تنقلها الى واقع جديد لن تكون الغلبة فيه لمحوره الاقليمي، اذ يتبين يوما بعد يوم، ان تحالفا عريضا اميركيا- سعوديا- مصريا مرشحا للتوسع في اتجاه دول عربية كثيرة وُلد لمواجهة محور ايران وسيقطع عليها طريق استمرار تمديد نفوذها عربيا، بحيث يصبح مضطرا للانكفاء الى الداخل اللبناني والانخراط بقوة في مشروع الدولة لان فائض قوة سلاحه سيصبح من دون جدوى حينما توضع اللمسات الاخيرة على هذا التحالف.من هنا تبرز الحاجة الى تشكيل حكومة يكون قادرا من خلالها على حفظ رأسه وتحقيق مكاسب سياسية قد يكون الرئيس الحريري الاكثر انفتاحا وتفهما لهذا الواقع. لكن الحزب الممسك حتى اليوم بكل الاوراق اللبنانية من الامن الى السياسة لا بدّ تفاهم مع الرئيس المكلف حول شكل ومسار حكومته للوصول الى حيث يريد. ومقابل ورقة التكليف يريد مكاسب في التأليف، والا فإنه يكمن له على طريق الثقة المجلسية الممكن ان يسقط عبرها الحكومة ان هو لم يلتزم، والنواب الذين سموه اضافة الى من لم يسموه يشكلون وزنا في مجال حجب الثقة والاكثرية المطلوبة مجلسيا ما زالت في يد الحزب، لتنتهي اللعبة من حيث بدأت.
بيد ان الاوساط تعرب عن اعتقادها بأن القطار الحكومي اقلع ولن يعود الى الوراء استنادا الى ما افرزته الساعات الاخيرة من معطيات واجواء تفاؤلية توحي بأن اتفاقات كثيرة ابرمت من تحت الطاولة بين القوى السياسية الوازنة لانهاء الوضع اللبناني الشاذ وتلقف فرصة الانقاذ الاخيرة قبل اعلان زوال لبنان عن الخريطة الدولية، كما حذر مسؤولون دوليون كثر. قد يكون الاتفاق ظرفيا يمنح الحكومة فرصة الاشهر الستة المطلوبة لفرملة الاندفاعة السريعة نحو الهاوية، وبعدها لكل حادث حديث.
اما المعترضين والممتعضين من عودة الحريري الى السراي، فقد تتم معالجة هواجسهم بين الحريري والحزب وبحنكة الرئيس نبيه بري الذي تكشف الاوساط انه بدأ لعبته هذه التي يتقنها مسبقا . ففي الجلسة النيابية الاخيرة التي جدد فيها المجلس مطبخه التشريعي حاول الرئيس بري ان يملأ المناصب التي شغرت بفعل الاستقالات، بنواب قواتيين لاسيما في رئاسة بعض اللجان، في خطوة وجد فيها حزب القوات نوعا من محاولة استمالة يمكن لبري ان يقايض عليها في موضوع العفوالعام وتأييد ترشيح الرئيس الحريري. الا ان الحزب رفض بحسب مصادره خطوة كهذه تمنح نوابه مكاسب على حساب زملاء اخرين، لا سيما من استقالوا من الندوة النيابية اثر انفجار 4 اب، بهدف تهميشهم ، وبقي متمسكا بموقفه المبدئي وعدم الدخول في بازارسياسي او المساومة على مواقفه.