كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
خلال مقابلته الاخيرة وفي معرض رده على منتقديه ممن كانوا مقربين منه اكتفى سعد الحريري بالتعليق بكلمة واحدة: “هيدا الوفا”. وردّ عليه يومها الزميل مرسيل غانم قائلاً له إنّه يحقّ للمنتقدين أن يكون لهم رأي مختلف عنه. لم يطل به الوقت حتى سمع رداً متعدد الأوجه. النائب نهاد المشنوق يخرج من الاستشارات النيابية متبنياً ترشيحه لرئاسة الحكومة ليمشي بعدها على “الدارج” ويتحدث عن “الوفاء” الذي “يكون دائماً للصلابة والشجاعة وللقراءة التي تعلمناها جميعاً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي يتلوّى في ضريحه…”.
كان أغلب الظن ان نائب بيروت نهاد المشنوق سيمتنع عن تسمية الحريري رئيساً مكلفاً لتشكيل حكومة. كثيرة هي الاسباب التي تقول ان عضو كتلة “المستقبل” النيابية سابقاً، التي خرج منها من دون إعلان رسمي، سيمتنع عن تسمية الحريري. فيكون في عداد الممتنعين عن التسمية طالما أن لا مرشح آخر. ومبعث هذا الظن ان المشنوق ذاته امتنع عن تكليف مرشح الحريري مصطفى اديب في الماضي ويومها وقبلها كان تبنى ترشيح نواف سلام
فاجأ المشنوق المستقبليين قبل غيرهم فأتى موقفه محيّراً. كيف لنائب لا يهادن الحريري في موقع “أساس” الالكتروني، ولا يتوقف عن انتقاد خياراته السياسية في السرّ والعلن، ان يرشحه لتجربة حكومية جديدة. فهل تهيّب المشنوق الموقف في ظل الاجماع على ترشيح الحريري سنيّاً؟
ليست الأسباب التي عدّدها المشنوق تكفي لتبرير موقفه. ذلك ان المعتاد في لبنان ان الحسابات السياسية عادة ما تتقدم على اعتبارات دستورية وقانونية وغيرها. ولذا لا بد من أنّ قطبة مخفية دفعته الى تغيير موقفه.
تشير المعلومات الى ان المشنوق لم يكن بوارد تسمية الحريري وعدل عن رأيه في اللحظات الاخيرة قبل زيارته الى بعبدا. لم يرغب المشنوق، أن يلتقي على الموقف ذاته الى جانب اللقاء التشاوري و”التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، بالامتناع عن تسمية الحريري.
وهو قال في كلمته من بعبدا إنّ البيئة السنية عندها مرارة من شغور رئاسة مجلس الوزراء. والأسباب قد تكون عاطفية بمعظمها، وبسبب شعور عام بأنّ الحريري كان الوحيد من بين الطقم السياسي الذي “جرفته” ثورة 17 تشرين.
كان اول أسباب انفصال المشنوق عن الحريري ما كُتب في موقع المشنوق الالكتروني عن “التسليم لرئيس التيار الوطني جبران باسيل وتقديمه تنازلات لم يقدمها لـ”حزب الله” ذاته. ومنها التعيينات القضائية الأولى بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، خصوصاً تلك المتعلقة بقضاة المحكمة الدولية. حين ترك الحريري القرار في ذلك الوقت لباسيل بحجة ان القضاة من الطائفة المسيحية. وطار هؤلاء رغم أنّهم “رسموا” طريق محكمة والد الحريري، الرئيس الشهيد… وليس انتهاءً بقانون الانتخاب الذي صوّت ضدّه المشنوق في مجلس الوزراء وفي البرلمان”.
سبب آخر اضافي دفع المشنوق لتسمية الحريري هو عدم رغبته في أن يكون ضمن عداد معسكر المعطلين ممن فاقت أعداد أصواتهم 55 صوتاً. لا تقارب أوساط المشنوق موقفه من باب الخوف او تهيب عواقب عدم السير بخيار الحريري سنياً، بدليل انه سبق وتبنّى ترشيح نواف سلام. لكن اما وقد انطلق الحريري في مواجهته لباسيل، فمن الطبيعي أن يعيد المشنوق حساباته. هو الذي وإن “كان شريكاً في التسوية إلا أنّه لم يكن شريكاً في ادارتها”… اما بالنسبة إلى الثقة بالحكومة، فتتوقف على مسار تعاطي الحريري مع شكل الحكومة ومضمون بيانها الوزاري.
إعتاد المشنوق السير عكس التيار، خصوصاً عندما أطل بموقفه الشهير من دار الفتوى، خلال أزمة الحريري في السعودية، كانتحاريّ سياسي يدافع عن الحريري، في لحظة تدافعت فيها بعض الشخصيات السنّية لحجز مقاعدها في مرحلة “ما بعد الحريري”.
وها هو اليوم يؤيّد عودته لرئاسة الحكومة. وهو لا ينتظر مقابلاً أو مكافأة على موقفه. كل ما تقصّد قوله لبيئته: “الخلاف سياسي، وحين يقوّم الحريري سلوكه، أكون إلى جانبه، وحين يخطئ، أكون معارضاً له”. لكنّ برأي قريبين منه أنّ “نغمة الوفاء” ما عاد لها لزوم. فها قد قدّم المشنوق ما عنده، ووفى دينه للحريري كاملاً، بتسميته رئيساً مكلفاً، بعد موقعة دار الفتوى.
“صار المشنوق حرّاً متحرراً، ليغرّد بعيداً، من دون قيود أو اعتبارات”. فهل تكون باكورة انطلاقته من خلال المقابلة المقرّرة معه الخميس المقبل على mtv مع الاعلامي مرسيل غانم، لينطلق بعيداً من الحريرية السياسية وحساباتها المزمنة؟