أسف متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة أن “التربية في لبنان ليست في سلم أولويات الحكام، ووزارة التربية من الوزارات الثانوية التي لا يتسابقون من أجل الحصول عليها وإدارتها بأفضل الطرق، لكونها العمود الفقري للدولة وصانعة الأجيال”.
ولفت خلال ترؤسه قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس وسط بيروت إلى ان “قطاع التربية يتراجع سنة فسنة، والأسباب عديدة، لكن أهمها إهمال الدولة المزمن للقطاع التربوي، والتخبط في القرار، والخطط الارتجالية أو غير القابلة للتنفيذ، وضرورة التعليم عن بعد، وتعطيل دور المركز التربوي، بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي والتفلت الأخلاقي وعدم التنسيق بين الوزارات (التربية والصحة). وقد زادت الأزمة الصحية الأمور تعقيدا، بالإضافة إلى انفجار المرفأ، ما سبب غموضا في مصير العام الدراسي”.
واعتبر أن “الاستثمار في التربية استثمار في الإنسان وتنمية للموارد البشرية التي تؤدي إلى نمو الاقتصاد وازدهار البلد. لكن التحديات التي تواجه الأسرة التربوية من مؤسسات تعليمية ومعلمين وذوي طلاب تهدد مصير التعليم في لبنان. إن ازدياد الأعباء على المدارس الخاصة بشكل هائل، وتراجع أحوال ذوي الطلاب، وعدم قدرة المدارس الرسمية على الاستيعاب، أمور تجعلنا في مأزق كبير”.
وشدد على أن “التعليم الإلزامي ضروري وحق لكل طفل، ومن واجب الدولة تأمين هذا الحق في مدارسها الرسمية التي يجب أن تكون مفخرة لها ومقصدا لجميع أبنائها. أما من شاء أن يتلقى أولاده العلم في المدرسة الخاصة فعليه أن يتحمل مسؤولية قراره ويقوم بواجبه تجاه المدرسة التي اختارها، لتتمكن من الاستمرار في رسالتها. والمفارقة في لبنان أن الدولة تعطي أساتذة التعليم الرسمي منحا لتعليم أولادهم في المدارس الخاصة”.
وقال: “التعليم ليس سلعة بل رسالة ومسؤولية. وتخلي الدولة عن واجباتها بالإضافة إلى تجني لجان الأهل على المدرسة الخاصة وحملات التضليل التي تقودها ضدها، سوف تؤدي إلى انهيار المؤسسات التربوية الخاصة، مع ما يستتبعه ذلك من نتائج كارثية على الصعد التربوية والاجتماعية والاقتصادية، سوف تنعكس على المتعلمين وأفراد الهيئة التعليمية وجميع العاملين في هذه المؤسسات”.
أضاف: “وباء الجهل أخطر من وباء كورونا، والخطران على الباب، وعلى الدولة تحمل مسؤوليتها قبل فوات الأوان. نحن في حاجة إلى قيادة تربوية مسؤولة تعي أن التكامل بين التعليم الرسمي والخاص ضروري من أجل القيام بالرسالة التعليمية والتربوية، وأن عليها حماية التعليم من أجل حماية الوطن وإنقاذ أجياله الطالعة. عسى أن يتم اختيار وزير للتربية من ذوي الاختصاص والخبرة، يعي المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه ويتصرف بحكمة ودراية، دون كيدية أو انحياز”.
وخلال العظة، قال: “على باب إحدى الجامعات في جنوب أفريقيا علق ما يلي: لا يحتاج تدمير بلد إلى صواريخ بعيدة المدى أو أسلحة دمار شامل. يكفي أن تخفض نوعية التعليم ويسمح بالغش في الامتحانات ليحصل التالي: يموت المرضى على أيدي أطبائهم، تنهار الأبنية على أيدي مهندسيها، تضيع الأموال على أيدي رجال الاقتصاد والمال، تموت الإنسانية على أيدي علمائها، تضيع العدالة على أيدي القضاة. إن انهيار الثقافة هو انهيار للأمة. هذا القول جدير بالتأمل، فيما نحن على أبواب تأليف حكومة جديدة، نسأل الله أن يلهم المسؤولين من أجل العمل على ولادتها بأسرع وقت ممكن، لتتسلم زمام الأمور وتوقف انهيار البلد بكل ما فيه. كما نتمنى أن يكون أعضاؤها من ذوي الكفاءة والنزاهة والاختصاص، ممن انتماؤهم للبنان الوطن، وولاؤهم له وحده، لا لحزب أو زعيم أو طائفة أو مرجع داخلي أو خارجي”.
وشدد المطران عودة على ان “الدول تبنى بالأخلاق، بالثقافة، بالتربية الصالحة والتعليم الجاد، وإلا حصل ما ذكرناه في القول المعلق على باب الجامعة. الجميع يعرف أن للتربية دورا مهما في حياة الشعوب والمجتمعات لأنها عماد البنيان والتطور، وهي وسيلة أساسية من وسائل البقاء والاستمرار، تكون شخصية الإنسان وتصقل قدراته وتعمق ثقافته ليتفاعل مع محيطه ويسهم في نموه بفعالية. إنها مجال التقدم والرقي والنمو والكمال والتطور الدائم. التربية تبني خلق المتعلم وتنمي فيه الفضائل التي تصونه، والمواهب التي منحه إياها الله، ليصبح عضوا فاعلا في مجتمعه ومواطنا صالحا صحيح التفكير، يعي مسؤولياته، ويدرك واجباته، ويحب وطنه ويخدمه بأمانة وإخلاص. التربية هي العمل المنسق الهادف إلى نقل المعرفة التي تكون الإنسان وتؤهله للحياة. إنها مسؤولية كبيرة، بل رسالة لمن يعرف أهميتها، وعامل مهم في بناء الدولة العصرية الحديثة التي تتماشى مع الحضارة وتواكب التقدم”.