كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:
انطلق الرئيس سعد الحريري في مشاوراته المرئية وغير المرئية لتشكيل «حكومة مهمة» خلال مهلة زمنية أقصاها عشرة أيام بدعم دولي غير مسبوق لم يتأمن لسلفه السفير مصطفى أديب الذي اعتذر عن المهمة، ويُفترض توظيف الدعم لتسريع ولادتها من دون انتظار الانتخابات الأميركية في 3 تشرين الثاني المقبل، لأن نتائجها – كما يقول مصدر دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط» – لن تبدل من واقع الحال الذي يحاصر لبنان.
فتكليف الحريري بتشكيل الحكومة وإن كان لم يلقَ ترحيباً من رئيس الجمهورية ميشال عون، فإن دخول الرئيس نبيه بري على خط التأزم بينهما دفع باتجاه كسر الجليد لأن هناك ضرورة للتعاون. وهكذا نجح بري الذي شكل رافعة لعودة الحريري إلى الرئاسة الثالثة في إعادة التواصل بين الأخير وعون على أمل أن يفتح الباب أمام تطبيع العلاقة بينهما وصولاً إلى اقتناعهما بضرورة فتح صفحة من دون العودة – كما تقول مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط» – إلى استحضار الملفات الخلافية التي كانت وراء انهيار التسوية الرئاسية بينهما.
ناهيك من دور بري المميز – بحسب المصادر النيابية نفسها – في إعادة خلط الأوراق التي أدت إلى إلغاء خطوط التماس السياسية التي كانت وراء الانقسام العمودي في البرلمان والتي يُفترض عدم تعريضها إلى انتكاسة على خلفية الاختلاف حول تشكيل الحكومة، خصوصاً أن هناك حاجة للتعايش الإيجابي بين عون والحريري بدلاً من تكريس حالة من المساكنة تحول دون تضافر الجهود لوقف الانهيار، وهذا ما ينسحب أيضا على علاقة الحريري برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، خصوصا أن البلد يتطلب إقرار الجميع بإعطائه فترة سماح بترحيل الخلافات، باعتبار أن الأولوية لإنقاذ المبادرة الفرنسية التي هي الممر الإجباري لتعافيه وخروجه من أزماته.
كما أن «حزب الله» وإن كان لم يكن بين الكتل النيابية التي سمت الحريري لتشكيل الحكومة فإنه لم يقاتل لقطع الطريق على إعادة خلط الأوراق التي يُفترض بعون أن يتعامل معها إيجابياً بعد أن انضمت تكتلات نيابية حليفة له لمصلحة ترجيح كفة زعيم تيار «المستقبل» من دون غض النظر عن التحول في موقف عدد من النواب السنة الذي ظهر جلياً في وقوفهم إلى جانب تسمية الحريري.
ولفتت المصادر النيابية إلى أن الاستشارات النيابية تميزت بغياب كل أشكال الانقسامات المذهبية والطائفية، وقالت إن عدم تسمية «حزب الله» للحريري حال دون إضفاء طابع مذهبي، وتحديداً مسيحي، على الذين امتنعوا عن تسميته، وأكدت بأن الحزب أراد أن يراعي عون ليكون في مقدوره الطلب منه السير في التسوية الحكومية، خصوصاً أن لا بدائل أمام عون في حال قرر الاعتراض عليها واستخدم صلاحيته في عدم التوقيع على التشكيلة الوزارية التي قد تستقر على 18 وزيراً.
واعتبرت أن جميع الأطراف باتت محشورة وأن البدائل أمام عون معدومة إلا إذا قرر الإشراف في الثلث الأخير من ولايته الرئاسية على تصريف الأعمال وإدارة الانهيار، وقالت إن الأولوية لـ«العهد القوي» يجب أن تكمن في إنقاذ ما تبقى من ولايته، وبالتالي لا مانع من إعادة تعويمه لباسيل الذي لم يتمكن من تصحيح علاقاته بمعظم القوى السياسية في ضوء انتقال نواب حزب «الطاشناق» والآخرين الأعضاء في كتلة الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى الضفة المؤيدة للحريري بجهد مباشر من بري وبامتناع «حزب الله» عن التدخل ما يعني أنه يبارك الدور الذي يلعبه حليفه.
ونظرا لأن تكليف الحريري يحظى بدعم أميركي وفرنسي وروسي، وهذا يعني من وجهة نظر المصادر النيابية بأن الإصرار على ولادة الحكومة تجاوز الداخل إلى الخارج وصولاً إلى تدويلها، وهذا ما يحصل في العلن للمرة الأولى، وتدعم المصادر وجهة نظرها هذه بإصرار باريس وواشنطن على ملاحقة المعنيين بولادة الحكومة ومطالبتهم بالإسراع في تشكيلها لأن البدائل ستكون كارثية، وتقول بأن مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون تحظى بتأييد الإدارة الأميركية، وتؤكد بأن لجوء البعض إلى ربط التأليف بالانتخابات الأميركية ما هو إلا مضيعة للوقت. وتضيف بأن واشنطن مهتمة بالحفاظ على الاستقرار في لبنان ولا مصلحة لها في جره إلى الفوضى، طالما أنها تلعب دور الوسيط في مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وتعتبر بأن انطلاقتها تحظى بغطاء شيعي رغم تحفظ «الثنائي الشيعي» على تشكيل الوفد المفاوض. وعليه، فإن تدويل تشكيل الحكومة بات يحاصر من يريد تقطيع الوقت رافضاً الانصياع للنصائح الدولية التي تؤدي إلى إعادة تعويم الجمهورية لحصر الخلافات داخل المؤسسات الدستورية شرط الاحتكام إلى النصوص القانونية بعد أن ثبت أن فائض القوة لا يُصرف في مكان.