“لا يهمنا شكل الحكومة، بل أن يكون أعضاؤها من أصحاب الكفاءة والاختصاص ونريد تشكيل حكومة سريعا تعمل فورا على تنفيذ الورقة الاصلاحية”. إنه باختصار الموقف “اللبناني” الأول لسفيرة فرنسا الجديدة في بيروت آن غريو بعد تسلمها مهامها الديبلوماسية في عز اللعب الفرنسي على وتر الورقة اللبنانية للأهداف الدولية المعروفة. إلا أن هذا الموقف التقليدي من السفيرة الغارقة حديثا في متاهات الممارسات السياسية في لبنان لا ينفي ما بات الجميع على يقين منه: فرنسا، ومن ورائها مجموعة الدعم الدولية للبنان، والمجتمع الدولي برمته، يواكب بدقة مسار تشكيل الحكومة العتيدة، والخريطة الاصلاحية التي ستلتزم بها، في وقت لا يخفي مراقبون خشيتهم من أن تحمل الايجابية المباغتة التي يعمل الجميع على نشرها في أجواء التشكيل عراقيل اللحظات الأخيرة على الطريقة اللبنانية.
وفي السياق، ذكرت أوساط ديبلوماسية عبر “المركزية” بأن مواقف دولية كثيرة رحبت بتكليف الرئيس سعد الحريري مهمة تأليف الحكومة، تماما كما علت الأصوات المنددة بتأجيل اعتبر “غير مبرر” للاستشارات أسبوعا كاملا.
وفي محاولة لتفسير هذا الترحيب الدولي الواسع، أوضحت المصادر أن الحريري شخصية توحي بالثقة للمجتمع الدولي، بغض النظر عن بعض الانتقادات التي تتلقاها خياراته الداخلية وبعض تنازلاته. لكن هذا لا يخفي ما اعتبرته المصادر الأهم: لا شك في أن المجتمع الدولي بات مصرا على دمج لبنان في مفاوضات التسوية الشاملة في المنطقة. ولفتت إلى أن إشارات كثيرة أعطيت في هذا المجال، ليس أقلها المبادرة الفرنسية التي ما كانت لتبصر النور لولا “قبة الباط” الأميركية لماكرون العائد إلى الساحة الدولية، معطوفة على انطلاق المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي حول ترسيم الحدود البرية والبحرية بمباركة ضمنية من محور الممانعة، الذي كان الرئيس نبيه بري ممثله الأهم في هذا الميدان، حيث إن ما سمي “الاتفاق الاطار” للمباحثات أبصر النور من عين التينة. كل هذا إضافة إلى أن الموضوعية تقتضي الاعتراف لرئيس الجمهورية ميشال عون بأنه تجاوز “الاعتراض الشكلي” من جانب حزب الله على الوفد اللبناني المفاوض، لأن أحدا لا يستطيع بعد اليوم السير عكس التيار الدولي التسووي، قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية، بدليل أن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو كسر ما يمكن اعتباره “الجفاء المحدود” مع بعبدا من باب اتصاله الأخير بعون وتشجيعه على الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة.
على أن الواقعية السياسية تفرض على المصادر عدم استبعاد مفاجآت اللحظات الأخيرة، وهي قنابل موقوتة قد تنفجر في وجه المبادرة الفرنسية من باب الشروط والشروط المضادة التي قد يبادر إليها بعض الأطراف في الداخل، من باب التمسك بحقائب معينة، على رغم ان الجميع يعقد العزم على تسهيل مهمة الحريري. إلا أن المصادر تختم محذرة من ان أي نكسة للمبادرة الفرنسية ستعد ضربة قوية للمبادرة وعرابها الأول ماكرون، في وقت أعادت فيه حادثة ذبح الاستاذ الفرنسي سامويل باتي على خلفية صور للنبي محمد إلى الواجهة الكباش التقليدي بين فرنسا نصيرة الحرية، والعدالة والأخوة، والاسلام المتشدد في ظل دعوات المقاطعة، والتصريح العنيف الذي أدلى به أخيرا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صاحب العلاقة السيئة أصلا مع ماكرون، والذي اتهمه بـ”الجنون”. فكيف سيرد الاليزيه في حال وقع محظور، سقوط المبادرة؟ الجواب قد لا يكون بعيدا…