كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
تقوم الشركات المورّدة للسلع الغذائية والاستهلاكية المستوردة بمراجعة للوائح أسعار منتجاتها، من أجل تعميمها على نقاط البيع والسوبرماركت، حيث سيلمس المواطنون بدءاً من يوم الاربعاء تراجعاً في اسعار عدد، ولو ليس كبيراً، من المواد الاستهلاكية، باستثناء السلع المدعومة والمنتجة محلياً.
منذ اللحظة الاولى لتدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار، انعكس هذا الامر مباشرة على أسعار كافة السلع الغذائية والاستهلاكية في السوق. فقد بدأت مسارها الصعودي حتى بلغت مستويات قياسية وجنونية في بعض الاحيان، بسبب جشع التجار واستغلالهم لأزمة الدولار، لتحقيق نسبة أكبر من الأرباح على حساب المواطن اللبناني وتراجع قدرته الشرائية.
مع كلّ تدهور اضافي لسعر صرف العملة المحلية، كان يتمّ تعديل الاسعار صعوداً في غضون ساعات أو دقائق، في حين انّ تقلّبات اسعار الصرف وارتفاع سعر الليرة في بعض الاوقات، لم ينعكسا تراجعاً في اسعار السلع بالنسبة نفسها أو السرعة نفسها لزيادتها. وكان مؤشر اسعار الاستهلاك في لبنان يرتفع بشكل شهري ليتخطّى نسبة 120% في شهر آب 2020 مقارنة مع الشهر نفسه من العام 2019.
اليوم، بعدما عاودت الليرة صعودها مقابل الدولار، الى مستويات لم تشهدها منذ حزيران الماضي عند اقلّ من 7000 ليرة مقابل الدولار، فإنّ استقرارها عند هذا المستوى يجب بطبيعة الحال، ان يُترجم من خلال تراجع مؤشر اسعار الاستهلاك. فما هي نسبة التراجع المقدّرة في اسعار السلع غير المدعومة، ومتى يمكن للمواطن ان يلمس انخفاضاً ملحوظاً في الاسعار؟
في هذا الاطار، شرح نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد لـ«الجمهورية»، انّ «السوبرماركت تقوم بتعديل اسعار السلع عندما يصدر المورّدون لوائح جديدة معدّلة لأسعار السلع صعوداً أم هبوطاً، وبالتالي لا يحق لتجار المفرّق ان يأخذوا على عاتقهم، وبشكل عشوائي، تغيير الاسعار مع كل ارتفاع او انخفاض في سعر الصرف، «وهذا ما تمّ الاتفاق عليه مع وزارة الاقتصاد التي اعتمدت لوائح الاسعار التي يُصدرها المورّدون، من اجل مراقبة الاسعار في نقاط البيع».
واوضح، انّ لوائح الاسعار التي يُصدرها المورّدون لم يتمّ تعديلها أخيراً، منذ حوالى الشهرين، بسبب استقرار سعر صرف الدولار في السوق السوداء في الفترة الاخيرة عند معدل 7500 ليرة مقابل الدولار، مؤكًداً انّ اسعار الموردين لا يمكن تعديلها يومياً لمجاراة تقلّبات سعر الصرف، كما انّ السوبرماركت لا يمكنها تعديل أسعار حوالى 50 الف سلعة مع كلّ ارتفاع او تراجع في سعر الصرف.
وذكر فهد انّ عدداً كبيراً من الموردين يعتمدون سعر صرف محدّداً، يقلّ بنسبة كبيرة عن سعر الصرف في السوق السوداء، «وهناك على سبيل المثال احدى الشركات العالمية التي اعتمدت تسعير كافة منتجاتها المدعومة وغير المدعومة على سعر صرف الـ3900 ليرة، وبالتالي فإنّ أسعار منتجاتها لم تتقلّب صعوداً وهبوطاً في موازاة تقلّبات اسعار الصرف في السوق».
وقال، انّ بعض الموردين الآخرين لجأوا الى خفض اسعار السلع المماثلة المدعومة ضمن السلة الغذائية، رغم انّ تلك الاصناف لم يتمّ استيرادها وفقاً للدعم، وذلك من اجل الحرص على تصريف تلك السلع رغم تكبّد الخسائر، بسبب عدم القدرة على تخزينها لفترات طويلة، بما سيؤدي الى انتهاء مدّة صلاحيتها، «وبالتالي فإنّ علامات تجارية عدّة غير مدعومة، من الرز والسكر والعدس والمعكرونة، تمّ خفض اسعارها لمجاراة اسعار العلامات التجارية الاخرى المدعومة من الصنف نفسه. ومع ارتفاع سعر صرف الليرة اليوم، لن تشهد تلك الاصناف المزيد من التراجع في اسعارها، لأنّه تمّ خفضها مسبقاً».
واشار فهد الى انّ الصناعات المحلية على غرار الألبان والأجبان، لا تتحرّك اسعارها وفقاً لسعر الصرف اليومي، لأنّ تسعيرها يعتمد على اسعار المواد الاولية المستوردة سابقاً والمُستخدمة في صناعتها، وبالتالي فانّ اسعار تلك السلع بقيت مستقرّة نوعاً ما بعد ارتفاعها، ولن تتغيّر بسرعة بل تحتاج لاشهر من استقرار سعر صرف الليرة لكي ينعكس تراجعاً في اسعارها.
وفيما اكّد انّ اسعار السلع المدعومة واسعار الصناعات المحلية لن تتغيرّ حاليًا مع تراجع سعر الصرف، لفت الى انّ السلع المستوردة وغير المدعومة منقسمة الى فئتين: الاولى التي لم يتمّ رفع اسعارها بالنسب نفسها لارتفاع سعر صرف الدولار، والتي لن تشهد تراجعاً حالياً رغم تراجع سعر الصرف حالياً. والثانية التي ارتفعت اسعارها تماشياً مع ارتفاع سعر الصرف، والتي توقّع فهد ان تعاود التراجع في خلال أسبوع، مشيراً الى انّها نسبة قليلة من المواد الغذائية والاستهلاكية.
السلة الغذائية
وبالنسبة للحديث عن ترشيد السلة الغذائية المدعومة، وتقليص عدد السلع والمواد التي تتضمنها، اوضح فهد انّه من ضمن 300 سلعة مشمولة في السلة الغذائية، هناك فقط 30 سلعة مصنّفة كسلعة نهائية يتمّ بيعها مباشرة للمستهلك، في حين انّ السلع الـ 270 الاخرى هي مواد اولية مستخدمة في الصناعة او الزراعة او انّها اعلاف وبذور، «ولهذا السبب لا يجد المستهلك مروحة كبيرة من السلع المدعومة في السوبرماركت كالرز، السكر، البن، الزيت وغيرها». كاشفاً انّه للمرة الاولى تمّ طرح خلال الاسبوع الماضي في السوق، معجون اسنان مدعوماً. وقدّر فهد ان يطال ترشيد السلة الغذائية حذفاً لبعض السلع المصنّفة نهائية والاخرى المصنفة مواد اولية، لتعود السلة الغذائية الى حجمها القديم، قبل اضافة مواد اخرى مدعومة على غرار البن، القهوة ومعجون الاسنان…مع الإبقاء بشكل اكيد على السلع الغذائية الاساسية مثل الرز، والزيت، والمعكرونة، والسكر…
تعميم مصرف لبنان
حول تعميم مصرف لبنان، الذي طالب بتسديد التجار قيمة البضائع المستوردة نقداً للمصارف، بالإضافة الى تقييد السحوبات النقدية بالليرة، اعتبر فهد انّ هذا الاجراء سيؤدّي الى كارثة اجتماعية في حال لم يتمّ تعديله. شارحاً انّ الموردين ملزمون بتأمين قيمة البضائع المستوردة نقداً بالليرة للمصارف، مما أجبرهم على الطلب من تجار المفرّق تسديد قيمة البضائع التي يستلمونها أيضاً نقدًا لهم، وهو الامر غير الوارد، لأنّ حوالى 50% من المبيعات في نقاط البيع والسوبرماركت تتمّ عبر بطاقات الدفع الالكتروني او من خلال الشيكات المصرفية. وبالتالي فإنّ التجار غير قادرين على تأمين 100 في المئة من قيمة البضائع نقداً للموردين.
وكشف فهد انّه أجرى اتصالات مع المسؤولين في مصرف لبنان، لشرح الوضع الراهن، وقد تمّ التعميم على جمعية المصارف لخفض تلك القيود على التجار. وقد بدأ بالفعل بعض المصارف بقبول جزء من قيمة فواتير الموردين بالشيكات المصرفية، «إلّا انّ البعض الآخر من المصارف لم يلتزم. واصبح المورد الذي لا يستطيع التعامل بالشيكات المصرفية مع مصرفه، يفرض علينا التسديد 100% نقداً، مما قد يُضطّرنا، في حال لم تتمّ معالجة هذه المشكلة، الى رفض الدفع في السوبرماركت من خلال البطاقات الائتمانية. وهذا الامر سيؤثر سلباً على المستهلك غير القادر بدوره على تأمين السيولة نقداً، بسبب تقييد السحوبات بالليرة، وسيحرمه من قدرته على شراء حتّى المواد الغذائية».
وختم فهد مشدداً على انّ امتصاص السيولة بالليرة من السوق، من اجل لجم الاستهلاك وخفض الاستيراد، لا يتمّ بتلك الطريقة العشوائية التي ستخلّف عدداً كبيراً من الضحايا.