لم يعد الحديث في الصالونات السياسية عن حكومة اختصاصيين مستقلين غير حزبية بل حكومة منتجة نحكم على اعمالها وليس على اشخاصها.
ومع ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قال في اجتماع السفارة في بيروت مع رؤساء الكتل النيابية والاحزاب السياسية “ان المطلوب حكومة غير تقليدية وغير سياسية مُنتجة من اشخاص كفوئين واصحاب خبرة ومستقلين، داعياً السياسيين للبقاء جانباً خلال فترة تنفيذ الورقة الفرنسية في مهلة 6 اشهر”، غير ان المشاورات الحكومية “المحصورة” بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمكلّف سعد الحريري من دون اخرين من رؤساء الكتل تتركّز على تشكيل حكومة مصغّرة من اختصاصيين تختارهم الكتل النيابية التي سمّت الحريري تكون مهمتها كما بات معروفاً تنفيذ الاصلاحات المطلوبة من لبنان والتي تعهّد بها سابقاً امام الدول المانحة في مقابل حصوله على المساعدات المالية اللازمة.
وفي حين اعلنت القوى السياسية تأييدها السير بالاصلاحات وتنفيذ الورقة الفرنسية التي قادت ماكرون الى لبنان مرّتين في اقل من شهر عقب انفجار مرفأ بيروت، الا ان التجارب السياسية في لبنان لا تُشجّع على تعليق الامال، لان القول شيء والفعل شيء اخر مغاير.
وفي السياق، ابدت اوساط دبلوماسية عبر “المركزية” مخاوفها من “عجز” الحكومة العتيدة عن تنفيذ المبادرة الفرنسية ولو ان المسؤولين يبدون تجاوبهم معها وبانها ستكون بمثابة البيان الوزاري. اذ تكفي مقاربة لبعض المواقف السياسية من شكل الحكومة وتوزيع الحقائب طائفياً وسياسياً حتى “نشتم” رائحة الفشل نفسها التي اودت بالحكومات السابقة نتيجة المحاصصة والشروط المتبادلة.
ومن بين الشروط الاصلاحية التي قد تُفشل مهمة الحريري، البنود التي قد ترد في برنامج الاصلاح الذي قد يعقد لبنان إتّفاقا بشأنه مع صندوق النقد الدولي من اجل الحصول على المساعدات، وهو ما تخوّفت منه، لاسيما لجهة اصرار البعض على تشكيل الهيئات الناظمة لقطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني من اشخاص محسوبين على القوى السياسية التقليدية كما هو الحال مع الهيئة الناظمة لادارة قطاع النفط، فيغلب منطق المحاصصة السياسية على الكفاءة والجدارة، بالاضافة الى رفض بعض المكوّنات السياسية اعتماد مبدأ الخصخصة في المرافق والمرافئ العامة والمعابر الشرعية بسبب تضارب حسابات المصلحة الوطنية مع حساباتها الحزبية والسياسية الضيّقة.
على اي حال، لا يبدو ان رياح الحريري ستجري بما تشتهي سفنه، لاسيما وان رغبته بحكومة اختصاصيين من غير الحزبيين ستصطدم بالمطالب القديمة-الجديدة للقوى التقليدية بدليل تأكيد الثنائي الشيعي ان وزارة المال باتت خارج مبدأ المداورة وهو ما يفتح “شهية” القوى الاخرى على الاحتفاظ بحصصها الوزارية السابقة انطلاقاً من مبدأ وحدة المعايير وفق مفهومهم التحاصصي وليس وفق مفهوم الرئيس الحريري الذي يريد المداورة.
وفي الاطار، ذكّرت الاوساط بعظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الاحد الفائت عندما نبّه فيها الرئيس المكلّف من “اتفاقات تحت الطاولة وثنائيات وتسويات قائمة قد تُطيح مهمته”.
وسألت: “ماذا سيبقى من المبادرة الفرنسية اذا عادت “حليمة لعادتها القديمة” لجهة المحاصصة والحجز المُسبق للحقائب؟ هل يراقب الرئيس ماكرون ما يُرتكب بحق مبادرته؟ ام ان الموقف الفرنسي طرأت عليه بعض “الليونة” بدليل ما ورد في مواقف السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو في اول اطلالة اعلامية عندما شددت على “انتاجية الحكومة ونتيجة عملها”.