Site icon IMLebanon

تبدل في مقاربة العلاقات مع إسرائيل يحيي الانقسامات اللبنانية

كتب نذير رضا في صحيفة الشرق الأوسط:

أنتجت التطورات الإقليمية والوساطة الأميركية لترسيم الحدود البحرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، تبدلا في الخطاب اللبناني الذي كان حتى عامين رافضا للتطبيع مع إسرائيل بالكامل. وأحيت تصريحات أبدت انفتاحا مشروطا على التسوية مع إسرائيل، الانقسام اللبناني حول هذا الموضوع.

ويعد ملف التطبيع مع إسرائيل من أكثر الملفات تعقيدا في لبنان، ولطالما كان محل خلاف. لكن القوى السياسية لم تناقشه منذ مؤتمر مدريد في العام 1991 علنا على الأقل، منعا لانقسام الساحة اللبنانية وتدهورها أمنيا كما حصل في العام 1983 عند التوصل إلى اتفاق 17 مايو (أيار) بين الجانبين. ويعتبر لبنان وإسرائيل في حالة حرب، ويجّرم القانون اللبناني «التعامل مع العدو».

وبعد تصريح لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في أواخر العام 2017 عندما قال إن الصراع بين الجانبين ليس آيديولوجيا، رأت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون روكز، وهي ابنة الرئيس اللبناني ميشال عون، أن «ترسيم الحدود وحل ملف اللاجئين الفلسطينيين وحماية الموارد الطبيعية التي نعول عليها للنهوض باقتصادنا، هي من الخطوات الأساسية التي يجب أن تحدث للحديث عن سلام مع إسرائيل». وأضافت في تصريح تلفزيوني، أول من أمس: «أنا أدافع أولا عن مصالح بلدي وعن سيادته واستقلاله».

غير أن هذا التصريح الذي ينسجم مع موقف الرئيس عون في أغسطس (آب) الماضي حين قال إن «لدينا مشاكل مع إسرائيل يجب حلها أولا»، أعاد إحياء الانقسام في الداخل اللبناني الذي تعارض قوى أساسية فيه، بينها «حزب الله»، خطوة مشابهة.

وعبّر مصدر في «قوى 8 آذار» التي يقودها «حزب الله» عن هذا الرفض بالقول إن «السعي في اتجاه تطبيع العلاقات مع تل أبيب يُنظر إليه على أنه شبهات بالخيانة»، وهو ما يعكس حجم الانقسام اللبناني حول هذا الجانب، مضيفا أن «هذا المناخ كان موجودا خلال فترة الحرب البنانية وما سبقها، لكنه لم يصل إلى نتيجة، ولن يحقق أي نتيجة في أي ظرف».

ويقول عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي خريس إن رفض العلاقات مع إسرائيل ينطلق من رؤية مؤسس «حركة أمل» الإمام موسى الصدر لهذه العلاقة باعتبار أن «التعامل مع إسرائيل حرام ولا يجوز تحت أي ظرف من الظروف».

وقال خريس لـ«الشرق الأوسط» إن «موقفنا واضح بأن إسرائيل عدو، وبالتالي فإن السقف الذي يمكن أن يصل إليه اللبنانيون هو تثبيت اتفاق الهدنة في العام 1949 الذي لا يُعد معاهدة أبدا، تماما مثل تفاهم 1996 واتفاق 2006» الذي ينص على وقف العمليات الحربية.

وشدد على أنه «لا صلح ولا اعتراف ولا معاهدة مع العدو الذي يعتدي على أرضنا ولا ثقة به تحت أي ظرف». ورأى أن «الحديث عن تطبيع أو سلام هو افتعال لإشكاليات ليس وقتها الآن»، مشددا على أن «الخصوصية اللبنانية تقتضي ذلك، خلافا لظروف دول عربية أخرى وضعها مختلف عن وضعنا».

ويعبّر هذا الموقف عن حجم الانقسام اللبناني حول الملف، وهو ما حاذره البطريرك الماروني بشارة الراعي في مبادرة «الحياد الناشط» التي أطلقها في أغسطس الماضي، إذ وضع اتفاق هدنة 1949 سقفا لتسوية النزاع مع إسرائيل، بالتأكيد أن «لبنان الحيادي يستلزم أن يصار إلى معالجة الملفات الحدودية مع إسرائيل على أساس خط الهدنة، وترسيم الحدود مع سوريا أيضا».

ويشير رئيس «المجلس العام الماروني» في لبنان الوزير الأسبق وديع الخازن إلى أن طرح هذا السقف من قبل البطريرك الراعي يعود إلى «الخصوصية اللبنانية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التركيبة اللبنانية لا تسمح لنا بأكثر من ذلك، منعا لاشتعال الساحة اللبنانية»، في إشارة إلى توترات أمنية قد تحدث في حال اتخاذ أي خطوة إضافية. وقال: «كانت هناك محاولتان في العامين 1982 و1983 في عهدي الرئيسين بشير وأمين الجميل، وفشلتا إثر انفجار الساحة اللبنانية. وبالتالي، فإن الخصوصية اللبنانية تمنع أي خطوة إضافية الآن». وشدد على أن «لبنان يجب أن يكون آخر الدول العربية التي تطبع علاقاتها مع إسرائيل بسبب خصوصيته وتركيبته والانقسامات فيه».
وأكد الخازن «أننا مع الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية بموجب قرارات الأمم المتحدة 194 و242.

ولا يمكن أن ندخل في موضوع مفاوضات من غير أن يكون ذلك مرتبطا بحل عادل للقضية الفلسطينية، وبانتظار ذلك الوقت، فإن الأولوية الآن لترتيب البيت الداخلي وإعادة عجلة الاقتصاد وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة وحل الأزمات الاقتصادية والمعيشية… نحن في غنى الآن عن فتح ملفات خلافية».