Site icon IMLebanon

“ومن حبّ الدرّاجة الهوائيّة ما قتل” طوني ووائل (بقلم آية يونس)

يقول عالم الفيزياء الألماني ألبيرت أينشتاين أن “الحياة تشبه ركوب الدّراجة، لتحافظ على توازنك يجب أن تكمل سيرك”

ولكن…

طوني والرحلة الأخيرة

في 13 حزيران، يوم عيد القديس انطونيوس البدواني توفي طوني الخوري (الذي يحمل اسم القديس) ابن جبيل “وكأن الصدفة شاءت أن يفارق الحياة في اليوم نفسه”، بحسب ما تخبر هيام، شقيقته.

وفي أحد المطاعم التي تطلّ على شاطئ جبيل، تنظر هيام إلى البحر، نظرة شوق، وكأنّ طوني لا يزال خلفه، هناك في الكويت، حيث أمضى حياته منذ العام 1994 ثمّ تزوّج وعاش مع زوجته وولديه هناك.

“كان يعشق الدّراجة الهوائية، فأخذته إلى الموت” ، أحبّها منذ كان عمره 13 سنة، ورغم انشغاله بالدراسة الجامعيّة وبتخصّصه في الإدارة الماليّة، لم يترك  طوني فرصة لممارسة هوايته الرّياضيّة وتطويرها سنة بعد سنة، إذ كان يشتري أنواع دراجات جديدة ملائمة للقيادة السريعة. من ركوب الدرّاجة “خلسة” والتوجّه إلى جسر المدفون خلال أيّام الحرب اللبنانية، إلى الرّحلات صوب جبال لبنان مع صديقيه غسّان، هروباً من زحمة السير على الطرقات، وصولاً الى تأسيس نادي للدراجات الهوائية في الكويت مع مجموعة من الشباب الأجانب.

عام 2014، خلال قيادته دراجته الهوائية على الرّصيف في الكويت تحضيراً لسباق، تعرّض طوني لحادث فقد على إثره حياته، عن عمر الـ 39 عاماً.  وفي تفاصيل الحادثة، التصقت سيارة يقودها شاب تحت تأثير الكحول بدرّاجة طوني واصطدمت بالعجل الخلفيّ، ما تسبب بقذفه أمتاراً، ليفقد حياته على الفور. وكانت رحلته الأخيرة على درّاجته الهوائيّة “حبيبة قلبه”.

“وحيد البيت، نطروا أهلي سنين تإجا من بعد 6 بنات، كنا ناطرينو يجي تيأضّي الصّيفيّة معنا، رجع….بس محمّل”. كان طوني يزور لبنان سنويّاً عن طريق البرّ، بسيارته، ولم يصيبه مكروه، “شقفة بيسيكليت قتلتو”. تعرّض لحوادث عدّة على الدراجة الهوائيّة لكنّ إصراره على ممارسة هذه الرّياضة كان ثمنه غالياً.

بعد وفاة طوني، لا تسمح زوجته لولديها ركوب الدّراجة وهما بدورهما يخافان منها باعتبار أنّها السّبب بوفاة والدهما.

وتحمل هيام الهاتف بين يديها، تقلّب بالصوّر وتقول “يقبرني”، خسارة لا تعوّض على الأمذ الثكلى، فوجع رحيل ابنها اثقل من يحمله قلبها “الأليم” وروحها “الدامية” واصعب من أن ينطقها فمها الذي تشقق من البكاء.

 

وائل، والشوق الى الشقيق

“كانت فشّة الخلق”، هذا ما قالته إيفا شقيقة وائل زغيب، الشاب الجبيليّ، عن علاقته بالرياضة في أوّل الدرب، فقد احترفها بعد وفاة شقيقه “للتنفيس” عن الغضب والحزن الموجود في داخله. تحدّى الواقع الحزين بعد خسارة السند والكتف العكاز، واففتح مدرسة للرّياضة عندما مكان عمره 15 سنة. تخصّص في العلوم الاكتواريّة، لكنّه اختار العمل في مجال الرّياضة وتحويلها من هواية الى مهنة، فافتتح نادٍ رياضيّ خاص به، ونجح في عمله، اذ أنّه استطاع اقناعي وغيري بممارسة الرّياضة بعد أن كنت أرفض الفكرة كليّاً، فجعلني أحبّها رغم الصّعوبات التي واجهتها أثناء القيام بالتّمارين في النادي الخاص به.

شارك في مسابقة ملك جمال لبنان عام 2016 ووصل الى التّصفيات النّهائيّة، فبالإضافة الى جماله الدّاخلي، وحسن تربيته الذي انعكس على أدائه مع الزبائن ومعاملتهم كأصدقاء له، كان شاب وسيماً.

يفتخر والديه به، “كونه شخص مثابر وطموح ونشيط”، فمنذ وفاة  شقيقه بعد صراع مع مرض السّرطان، رأى الوالدين في عيون وائل بصيص أمل في الحياة، وقد حاول بدوره مساعدة العائلة على تجاوز محنة خسارة الابن البكر، فاعتبر نفسه مسؤولاً عن اهله  وأعاد بحركته الدائمة “بعض الحياة” الى جوّ البيت قبل أن تعود وتختفي من جديد…

أحبه من عرفه، والدّليل على ذلك هو علاقاته بأصدقائه، ورغم شعور بعض الأشخاص حوله بالحسد والغيرة منه، إلّا أنه لم يكن هناك مكان في قلبه للحقد والكره، بل كان يخصّص وقته للعائلة والعمل والصّلاة، وأيمانه بالله الذي كان قويّاً جداً، جعل منه شخصاً يتقبّل فكرة الموت وكذلك والديه وشقيقته الذين لم يكادوا يمسحوا دمعة فراق وديع لتجرف عيونهم دموع فراق وائل من جديد، ولكن بالنسبة لهم “مع يسوع ما منموت، والموت هو انتقال لعند ربنا، وأكيد وائل مع خيو بمكان أفضل”.

تتنهّد إيفا وتقول “كانت أمي وكان أبي ينامان لأجل وائل ويفيقان من أجله، يخافان عليه بطريقة غير طبيعيّة “هَوَس”، لقد تعلقنا به لأنّه ما تبقّى لنا من هذه الحياة بعد خسارة وديع، وكان وائل حياتنا، ممنوع يمرض، ممنوع يزعل، ممنوع يقول آخ، ومع ذهابه فقدنا كلّ الحياة، فقدت كلمة آخ…وما عاد فيني قول “خيّ”.

أحبّ الدّراجة الهوائيّة منذ صغره وكان الأهل يشترون له كل فترة درّاجة تناسب عمره، وقبل وفاته بقليل، حاول إقناع بعض أصدقائه بشراء درّاجات ليذهبوا جميعاً في نزهات رياضيّة. وصباح يوم الأحد 5 أيار 2019، أراد أن يمارس الرّياضة خارج النّادي، في الهواء الطّلق على الطّريق البحريّ القديم بين سلعاتا ونفق حامات “كان ربنا عم بيعيّطلوا، وراح وائل” بعد أن صدمته سيّارة مسرعة.

ومنذ ذلك الوقت لا تسمح إيفا لأولادها ركوب الدّراجة، تقول “ما يحلموا وخصوصاً في لبنان، أصبحت لدينا “فوبيا” منها بعد وفاة وائل”.

وتقول ايفا للرّب “يا مبدع الكون من يدري سواك بسرّ الوجود فكم منك يا رب من سرٍّ وآياتٍ مذهلات، يا رب حكمتك ما فينا نفهمها، حتى لو جرّبنا ما منلاقي جواب، لهيك رح ننطر لنلتقي فيك لنفهمها”.

رياضة ركوب الدراجات الهوائية  في لبنان

في نظرةٍ سريعة إلى المجتمع اللبناني، يتبيّن أن استخدام الدّراجات الهوائيّة كوسيلة نقل خجول ومحدود، فنرى الدّراجين في الحدائق والسّاحات العامّة، وعلى السنسول و”المارينا” أو في أعالي الجبال حيث لا زحمة سير، فتظلّ السيّارة الوسيلة الأكثر استخداماً على الرَّغم من أرقها وضغطها النفسيّ على اللبنانيّ، وذلك لأنّ استعمال الدّراجة الهوائية يعرّض الشّخص للخطر في لبنان، حيث لا توجد مخصصة لها، ولا “احترام” للدّراجين في تنقّلهم.

ولكن، لمحبي هذه الرياضة توجد أماكن مغلقة وآمنة ، فيستطيع من يحبّ إستئجار الدّراجات من” Beirut By Bike”  ممارسة هذه الرّياضة على كورنيش عين المريسة، والاستمتاع بجمال البحر.

وافتتحت بلديّة جبيل مساراً مقفلاً خاصاً بالدّراجات الهوائية في المدينة، وهو الأول من نوعه في لبنان بمواصفات تراعي السّلامة العامّة، وتحمي راكبي الدّراجات الهوائية، من ممارسة هذه الرّياضة على مسار طوله 500 متر وسط مساحات خضراء. وبلفتة معبّرة ، كرّمت البلدية أرواح ضحايا حوادث الدّراجات النارية في جبيل، وعلّق على حائط الحديقة نصبان تذكاريّان كناية عن دراجتين تحملان اسمي طوني الخوري ووائل زغيب.

كما تقوم العديد من الجمعيّات والّشركات في لبنان بتنظيم رحلات لمجموعات من الأشخاص يركبون الدّراجات الهوائيّة.

وفي هذا البلد الصّغير، حيث لا يطبّق قانون السّير، لا يزال شبح الموت يخيّم فوق الطّرقات، ليخطف يوميّاً شبّان وشابّات بسبب غياب أنظمة السلامة المروريّة والمراقبة والمحاسبة. وأعلنت غرفة التحكم المروري في إحصائها لعدد القتلى والجرحى وعدد حوادث السّير منذ بداية عام 2019، “فحصل حوالي 4582 حادث مروري نتج عنها 487 قتيلاً و6101 جريحاً”.

وفي الختام، أعود إلى البداية، إلى ما قاله اينشتاين عن الحياة، اذا أردنا المحافظة على توازننا يجب أن نكمل السّير، ولكي نكمل سيرنا بسلام، ليتنا نعود كالأطفال نظنّ الموت سفر، والحزن مشهد من مشاهد أفلام النّهاية السّعيدة، والدموع مطفأة للقلوب المحروقة، والشوق انتظار الى اللقاء القريب…

وتنهي ايفا كلامها، بالقول أنّ “موت الأخ إعدام، لا حياة من بعده”، وبغصّة تحمل هيام محفظتها وتنزل على درج المطعم وتقول، “يقبر قلبي خيي”.