إذا تجاوزنا العورات التي رافقت وترافق عملية تشكيل الحكومة، من حيث تقاسم حصصها والحقائب والوزارات بين القوى السياسية، وإن في شكل “مستتر” تحت كمّامات التكنوقراط والاختصاصيين غير الحزبيين، وسلّمنا جدلا ان هذه الجهات التي كانت حتى الامس القريب تتناحر وتتقاذف تهم الفساد والعرقلة من فوق السطوح، نجحت في استيلاد حكومة جديدة في قابل الايام… هل هناك ما يضمن ان تتمكن من اخراج البلاد من أزمتها المالية والاقتصادية؟
هذا بات الهم الاول للبنانيين، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”. فـ”التشوّه الخلقي” الذي ستولد به الحكومة، من حيث شكلها، لن يمكن التعويض عنه الا بقدرة مجلس الوزراء العتيد على قيادة السفينة اللبنانية الغارقة الى بر الامان من جديد. هذا هو التحدي الابرز، تتابع المصادر، والنجاح في هذه العملية يحتاج الى ان تكون الحكومة فريقا واحدا منسجما متضامنا يملك برنامجا ورؤية واضحة وتصوّرا مشتركا لخريطة طريق الخلاص.
الرئيس سعد الحريري يتطلّع الى الذهاب الى صندوق النقد الدولي كمدخل للورشة الاصلاحية الشاملة، في المقابل، لا يبدي حزب الله حماسة لهذا الخيار مع انه لا يعترض عليه. الصندوق سيطلب من الحكومة سلسلة اجراءات بات الكل يعرفها: ترشيق الادارة العامة وخفض عديد الموظفين فيها، رفع قيمة الضريبة على القيمة المضافة، رفع الدعم عن المحروقات، اقفال الحدود وضبط التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية… فهل حركة امل وحزب الله خصوصا، والاطراف السياسية عموما، جاهزة لتنفيذ هذه الاجندة، التي اتفقت الاطراف على معظم خطوطها العريضة في قصر الصنوبر؟ ام ان حساباتها الشعبوية والشخصية ستعود لتفرض نفسها على توجّهاتها وقراراتها في لحظة الحقيقة، وستحرّك النقابات المحسوبة عليها ضدها؟ هل يعمل الحريري اليوم على انتزاع ضمانات جدية بأن القوى السياسية ستوافق على اتخاذ القرارات الصعبة الموجعة؟ هذه الخطوة اكثر من ضرورية، تتابع المصادر، فإذا لم يكن الحريري ضَمِن موافقة الاحزاب المشاركة في الحكومة على خريطة طريق الانقاذ، من الافضل له ان ينسحب اليوم قبل الغد من ملعب التشكيل، لأن العربة التي يجرّها حصانان كل في اتجاه، ستتحطّم، وستفاقم آلام اللبنانيين وتطيل امد وحجم محنتهم المعيشية القاتلة.
وبعد، تنص الورقة الفرنسية على ضرورة تغيير الخطة الكهربائية التي اعتمدت منذ سنوات وعلى اصلاح القطاع الذي يشكّل اكبر مزاريب الهدر في الخزينة اللبنانية، فهل سيكون التيار الوطني الحر متعاونا؟ كما تدعو باريس الى التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي وفي كل المؤسسات والادارات العامة، فهل سيسلك هذا التدقيق الملحّ لمعرفة اين ذهبت اموال اللبنانيين والدولة اللبنانية، طريقه الى التنفيذ، ام سيتعثّر وتتم لفلفته؟
أيضا وأيضا، هل ستعرف الحكومة كيف يتم وضع خطة اقتصادية – مالية موحدة الارقام وواضحة المعالم، تقدّمها الى صندوق النقد؟ ام ستنقسم على نفسها من جديد ولن تتفق لا على ارقام الخسائر ولا على الجهة التي يفترض ان تتحمّل الجزء الاكبر منها، كما حصل مع حكومة حسان دياب؟
الافضل ان يكون اهل السلطة تفاهموا على البرنامج كما تفاهموا على حصصهم، وإلا، نقولها من الآن، “على لبنان واللبنانيين السلام”…